فتح كورة أردشيرخره
في السنوات الأولى من فتح إقليم فارس ، قام العرب بعده محاولات لفتح مدينة ( جور ) مركز كورة أردشيرخره ، فقد أقام على حصارها هرم بن حيان أحد قادة عثمان بن أبي العاص لفترة من الزمن لكنه لم يتمكن من دخولها لحصانتها ، وقد إستمرت مدينة جور بمقاومتها للقوات العربية حتى تمكن عبد الله بن عامر والي البصرة ( 29 ـ 35 هـ / 649 ـ 655 م) من فتحها عنوة بعد محاصرتها سنة 29 هـ / 649 م (2) . إلا أن أهل جور إستغلوا توجه عبد الله بن عامر إلى إصطخر فتمردوا وقتلوا عامله عليهم ، فما كان من عبد الله بن عامر إلا أن عاد إلى جور وتمكن من إستعادة فتحها عنوة (3) . وفيما يتعلق بمدن كوره أردشيرخره فقد أجتمعت القوات العربية التي يقودها أبو موسى الأشعري وعثمان بن أبي العاص في أواخر خلافة عمر بن الخطاب ، فتمكنت من فتح ( شيراز ) (4) ، صلحاً على الخراج على أن لايقتل ولا يستعبد أهلها كذلك تمكنت القوات العربية من فتح ( سينيز ) (5) عنوة وترك أهلها يعمرون الأرض ، بعدها تمكن عثمان بن أبي العاص من فتح ( جنابا ) (6) صلحاً بعد أن طلبها أهلها الأمان (7) ، أما مدينة ( سيراف ) (8) فقد حاصرتها القوات العربية مدة شهر ولما طال الحصار طلب أهلها الأمان من العرب فأجابوهم إلى ذلك (9) . **************************************************************
(1) جور : مدينة بفارس بينها وبين شيراز عشرون فرسخاً . ياقوت : معجم البلدان 2 / 181 . (2) البلاذري : الفتوح ص 381 .
(3) نفس المصدر . (4) شيراز : بلد عظيم ومسهور وهو قصبة بلاد فارس ويقع في وسطها وله ثلاثة عشر طوباً . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 69 ، ياقوت : معجم البلدان 3 / 380 . (5) سينيز : بلد على ساحل الخليج العربي أقرب إلى البصرة من سيراف ، وتقرب من جنابا . ياقوت : معجم البلدان 3 / 300 . (6) جنابا : بلد صغير من سواحل فارس ، وقبالتها في وسط الخليج العربي جزيرة خارك ، ومن شمالها من جهة البصرة مهروبان ، ومن جنوبها سينيز . ياقوت : معجم البلدان 2 / 165 . (7) البلاذري : الفتوح ص 380 . (8) سيراف : وهي مدينة جليلة على ساحل الخليج العربي كانت قديماً فرضة الهند ، وقيل كانت قصبة كورة أردشيرخرة ، وبين سيراف والبصرة سبعة أيام . ياقوت : معجم البلدان 2 / 294 . (9) البلاذري : الفتوح 383 .
فتح كورة دارابجرد (1)
بعد أن تم فتح أغلب مدن كور أرجان وسابور وارد شيرخره توجه عثمان بن أبي العاص إلى كورة دارابجرد ، وكان المسؤول عنها الهربذ الذي صالح العرب المسلمين على مبلغ من المال (2) ، وقد تمكن عثمان بن أبي العاص بعد ذلك من فتح بعض مدن كورة دارابجرد صلحاً ومنها ( فسا ) (3) على مثل صلح دارابجرد (4). وقيل أن أهل ( جهرم ) (5) الواقعة جنوب فسا ، إجتمعوا على العرب المسلمين فتوجه لهم عثمان بن أبي العاص فهزمهم وفتح جهرم وما حولها صلحاً على مثل صلح دارابجرد (6) ، أما بالنسبة إلى السكاريان (7) وفشجاتن (8) واللتان كانتا تابعتا إلى دارابجرد فقد تمكن عبد الله بن عامر من فتحها سنة 29 هـ / 649 م ، ولم تكونا قد دخلتا في صلح الهربذ (9) . فتح إصطخر كانت لإصطخر أهمية دينية وسياسية لكونها ومنذ القدم مركزاً دينياً للدولة الساسانية (10) والعاصمة الرئيسية التي خلفت ( برسبيولس ) العاصمة القديمة لمهد الفرس **************************************************************
(1) دارابجرد : هي إحدى كور فارس ، مدينتها دارابجرد ، وأكبر مدنها وأعمرها هي فسا . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 67 .
(2) خليفة : التاريخ ص 159 ، البلاذري : الفتوح ص 380 . (3) فسا : يذكر الأصطخري أن فسا أكبر مدن دارابجرد وأعمرها ، أما ياقوت فيقول بإنها أنزه مدن فارس وأطيبها . (4) البلاذري : الفتوح ص 380 . (5) جهرم : إسم مدينة بفارس ، وهي إحدى مدن كورة دارابجرد وأعمرها ، وأما ياقوت فيقول بإنها أنزه مدن فارس وأطيبها . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 70 ، ياقوت : معجم البلدان 2 / 194 (6) البلاذري : الفتوح ص 380 . (7) السكاريان : لعلها سكرفناخسره خر ، من أعمال فارس ، بين إصطخر وخرمه ، على بعد عشرة فراسخ من شيراز . أنظر إبن عبد الحق : مراصد الإطلاع 2 / 723 . (8) فشجاتن : وهي الفيشجان ، إحدى مدن كورة دارابجرد ، وقيل إنها قرية . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 70 ، ياقوت : معجم البلدان 4 / 267 . (9) البلاذري : الفتوح ص 381 . (10) سترك : دائرة المعارف الإسلامية ، الترجمة العربية ( مادة إصطخر ) ، 2 / 245 .
الأولين (1) ، والمقر المهم لزعماء الفرس وعلى رأسهم يزدجر وللعوائل الكبيرة في بلاد فارس (2) لذا كان من الطبيعي الإهتمام بتنظيم تحصيناتها الدفاعية وحمايتها حيث إعتبرت إصطخر من أكبر حصون فارس وأحصنها (3) .
لذا فتح إصطخر يعني القضاء على مركز الوجود الفارسي ، وإنهيار آخر معقل من معاقل الحكم الفارسي في بلاد فارس . وقد جرت عدة محاولات لفتح إصطخر ، وتعد محاولة العلاء بن الحضرمي لفتح إصطخر إولى هذه المحاولات ، وقد إستمرت المحاولات لفتحها طيلة فترة خلافة عمر بن الخطاب من قبل أبي موسى الأشعري وعثمان بن أبي العاص لكن جميع هذه المحاولات بائت بالفشل (4) ، وذلك لحصانة إصطخر ولقوة دفاعاتها ولوجود يزدجر الذي كان يتولى مهمة الإشراف على عملية الدفاع عن المدينة حيث ذكر إبن سعد ( إن العرب لم يتمكنوا من فتح إصطخر طيلة وجود يزدجر في المدينة ) (5) . ويبدو ان محاولات عثمان بن أبي العاص لم تكن إلا حملات غير منظمة كان يشنها على إصطخر من توج صيفاً ويرجع إلى توج شتاءاً (6) ، هذه المحاولات التي كانت بمثابة حركات إستطلاعية للتقدم الرئيسي للقوات العربية التي يقودها عبد الله بن عامر الذي تولى مهمة قيادة العمليات العسكرية لإقليم فارس سنة 29 هـ / 649 م ، حيث إبتدأ إبن عامر عملياته العسكرية في إقليم فارس بالتوجه نحو مدينة إصطخر ، فتمكن من فتحها صلحاً بعد تضييقه الحصار عليها ولعدة ايام مما اضطر مرزبانها ماهك إلى طلب الصلح (7) ، وبعد أن عين إبن عامر ، عبيد الله بن معمر عاملاً عليها ، توجه إلى جور ، غير إن أهل إصطخر سرعان ما إنتفضوا وأعلنوا تمردهم على عبيد الله بن معمر (8) . **************************************************************
(1) بروكلمان : كارل : تاريخ الشعوب الإسلامية ، نقله إلى العربية ، نبيه أين فارس ، منير البعلبكي ، ط 4 ، دار العلم للملايين ، بيروت ـ 1965 م ، ص 104 .
(2) كريستنس : إيران في عهد الساسانيين ص 80 . (3) أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 73 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 211 . (4) خليفة : التاريخ ص 150 ـ 152 . (5) إبن سعد : الطبقات 2 / 170 . (6) أنظر خليفة : التاريخ ص 152 . (7) البلاذري : الفتوح ص 381 . (8) خليفة : التاريخ ص 162 ، البلاذري : الفتوح ص 381 ، الدينوري : الأخبار الطوال ص 17 .
حيث ذكر الطبري نقلاً عن سيف ( جاشت فارس ، وإنتفضت بعبيد الله بن معمر فإجتمعوا له بإصطخر ، فإلتقوا على باب إصطخر فقتل عبيد الله وهزم جنده ) (1) ، ولما وصل نبأ مقتل عبيد الله بن معمر وتمرد أهل إصطخر إلى عبد الله بن عامر وهو محاصر لمدينة جور التي أعلنت تمردها أيضاً على الحكم العربي (2) ، أقسم بالله لئن ظفر بأهل إصطخر ليقتلن منه مقتلة عظيمة (3) .
إستمر إبن عامر في حصاره لمدينة جور ، حيث كانت جور مدينة حصينة وقد عانا المسلمون من قوة مناعتها ، لكن إبن عامر تمكن من فتحها عنوة ، عندما إهتدى أحد المقاتلين العرب إلى معرفة مدخل يمكن للعرب الدخول من خلاله إلى داخل المدينة ، فهاجم العرب ذلك المدخل وتمكنوا منه وإستطاعوا الوصول إلى داخل المدينة وفتحها سنة 29 هـ / 649 م (4) . توجه بعد ذلك أبن عامر إلى مدينة إصطخر وكان على ميمنته أبو برزه فضله بن عبد الله الأسلمي وعلى ميسرته معقل بن يسار المزني وعلى الخيل عمران الحصين الخزاعي وعلى الرجال خالد بن معمر الذهبي ، فهزم أهل إصطخر حتى أدخلهم المدينة وحاصرهم فيها ، وتمكن إبن عامر من دخول المدينة بعد أن أحدث المقاتلة العرب ثقباً في سورها على أثر رميه بالمنجنيق ، فدارت معركة طاحنة تمكن على أثرها العرب من فتح المدينة عنوة (5) . بعدها توجه إبن عامر في أثر القوات الفارسية المنهزمة التي إتجهت إلى دارابجرد وأعلنت تمردها هناك ، فتمكن من دحر هذه القوات وفتح المدينة عنوة ، كما تمكن من فتح السكاريان والفيشجان من دارابجرد حيث كانت هاتان المدينتان غير داخلة في صلح عثمان بن أبي العاص لمدن كورة دارابجرد ، ثم توجه إبن عامر للقضاء على حركات التمرد التي قامت بها العناصر الفارسية ضد الحكم العربي في مناطق عديدة من إقليم فارس ، فتولى بنفسه القضاء على تمرد مدينة جور وفتحها عنوة والإستيلاء على غنائم كثيرة فيها ، كما فتح أردشيرخره وأسر عدداً كبيراً من الفرس فيها (6) . **************************************************************
(1) الطبري : التاريخ 4 / 265 .
(2) البلاذري : الفتوح ص 381 . (3) خليفة : التاريخ ص 162 . (4) البلاذري : الفتوح ص 381 . (5) البلاذري : الفتوح ص 382 ، أنظر كذلك خليفة : التاريخ ص 162 ، الطبري : التاريخ 4 / 265 . (6) أنظر خليفة : التاريخ ص 164 ، البلاذري : الفتوح ص 381 .
خارطة اقليما فارس وكرمان
وبعد أن تمكن إبن عامر من فتح إصطخر ، والقضاء على حركات التمرد التي قامت في بعض مدن إقليم فارس ، ودحر الفرس في عقر دارهم وتشتيت جموعهم التي حاولوا تحشيدها في إصطخر والتي شارك فيها معظم قوادهم ومرازبتهم وأساورتهم ودهاقينهم تحت قيادة يزدجر ، وأدانت لهم معظم أراضي إقليم فارس ، كتب بالنصر إلى الخليفة عثمان فكتب له الخليفة ان يستعمل على كور فارس كل من هرم بن حسان اليشكري ، وحرم بن حيان العبدي ، والخريت بن راشد ، والمنجاب بن راشد والترجمان الهجيمي (1) ، غير أن المصادر لم تذكر أسماء الكور التي نصب عليها هؤلاء القادة .
فتح إقليم مكران (2) بدأت الحملات الاستطلاعية الأولى لإقليم مكران في زمن الخليفة عمر بن الخطاب من قبل واليه على البحرين عثمان بن أبي العاص الثقفي عندما عمل على إرسال أخيه الحكم على مدينة بروص (3) وأخيه المغيرة إلى خور الديبل (4) ، الذي إلتقى بقوات هذه المنطقة فتمكن من هزيمتها (5) ، ولم تجرِ أي محاولة أخرى لفتح هذه المنطقة طيلة خلافة عمر بن الخطاب لإنشغال قوات عثمان بن أبي العاص خلال هذه الفترة بفتح مدن إقليم فارس التي يعد فتحها من الناحية العسكرية أهم بكثير من فتح إقليم مكران . **************************************************************
(1) الطبري : التاريخ 4 / 266 .
(2) مكران : ولاية واسعة عريضة تشتمل على عدة مدن وقرى ، الغالب عليها المفازه والقحط والضيق ، يحدها من الشرق الخليج العربي ومن الغرب كرما ومفازة سجستان ، ومن الشمال بلاد الهند ومن الجنوب مفازة القفص ،ومن ورائها الخليج العربي ، أي أن الخليج العربي يحيط بمكران من الشرق والجنوب من وراء هذه المفازة . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 102 ، 105 ، ياقوت معجم البلدان 5 / 180 . (3) بروص : ويقال لها بروج أيضاً وهي من أشهر مدن الهند البحرية وأكبرها وأطيبها . أنظر ياقوت : معجم البلدان 1 / 404 . (4) الديبل : مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند . ياقوت : معجم البلدان 2 / 495 . (5) البلاذري : الفتوح ص 420 .
خارطة اقليم مكران مع قسم من اقليم سجستان
ولما ولي عبد الله بن عامر البصرة زمن الخليفة عثمان بن عفان ونظراً للأهمية الإستتراتيجية لمنطقة مكران لكونها ثغر الهند والممر الرئيسي لبلاد السند (1) ، وأرسل إبن عامر وبأمر من الخليفة عثمان بن عفان القائد العربي حكيم بن جبلة العبدي على رأس القوات العربية إلى إقليم مكران ليستطلع له أمر ثغر الهند ( مكران ) ، فتمكن حكيم بن جبلة من التوغل داخل أرض هذا الإقليم وجمع المعلومات عنه ، ولما عاد إلى البصرة أوفده إبن عامر إلى الخليفة عثمان بن عفان الذي سأله عما جمعه من معلومات عن هذه المنطقة وصفتها ، فأجابه قائلاً ( ماؤها وشل ، وتمرها دقل ، ولصها بطل ، وسهلها جبل ، إن كثر بها الجند جاعوا ، وإن قلوا ضاعوا ) (2)فكان ما قاله حكيم بن جبلة العبدي سبباً في عزوف الخليفة عثمان بن عفان عن فتح هذا البلاد .
وجرت محاولة أخرى لفتح إقليم مكران زمن الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) حينما توجه الحارث بن مرة العبدي سنة 39 هـ / 659 م ، إلى إقليم مكران متطوعاً بإذن من على بن أبي طالب ( ع ) لكنه إستشهد ومن معه إلا قليلاً في أرض القيقان (3) من إقليم مكران (4) ، ولم يتمكن العرب المسلمون من فتح هذه البلاد إلا في زمن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان . فتح إقليم كرمان (5) بعد الإنتصارات التي حققتها القوات العربية الإسلامية في إقليم فارس ، توجهت شرقاً نحو إقليم كرمان لتصفية المقاومة الفارسية في هذا الإقليم ، وليتسنى لها بعد تأمين ظهيرتها مواصلة تقدمها لفتح بقية الأقاليم الشرقية من بلاد فارس . **************************************************************
(1) السند : بلاد واسعة من الهند وكرمان وسجستان ، وبعضهم يجعل مكران منها ، فيقول هي خمس كور ، أولها من قبل كرمان مكران ثم طوزان ثم السند ثم الهند ثم الملتان ، وقصبة السند مدينة يقال لها المنصورة ، ومن مدنها المهمة الديبل التي تقع على ضفة بحر الهند . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 102 ـ 107 ، ياقوت : معجم البلدان 3 / 267 .
(2) خليفة : التاريخ ص 180 ، البلاذري : الفتوح ص 420 . (3) القيقان : من بلاد السند مما يلي خراسان . أنظر البلاذري : الفتوح ص 421 . ياقوت : معجم البلدان 4 / 423 . (4) خليفة : التاريخ ص 200 ، البلاذري : الفتوح ص 421 . (5) إقليم كرمان : ولاية مشهورة وناحية كبيرة معمورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة تقع بين إقليم فارس ومكران وسجستان وخراسان ، فشرقها مكران وغربها أرض فارس وشمالها مفازة وخراسان وسجستان وجنوبها الخليج العربي .
فبينما كان عبد الله بن عامر في إقليم فارس وجه القائد العربي مجاشع بن مسعود السلمي إلى إقليم كرمان ، وفي طريق توجهه نحو هذا الإقليم طارد القوات الفارسية المنهزمة من إقليم فارس ، حتى وصل إلى حدود كرمان الغربية المتآخمة لإقليم فارس (1) .
وبوصول مجاشع بن مسعود إلى حدود إقليم كرمان ، إتجه بقواته إلى مدينة بيمند ، وهي أول مدن إقليم كرمان من جهة إقليم فارس ، إلا أنه لم يتمكن من فتح هذه المدينة وذلك بسبب شدة البرد وسقوط الثلج مما أدى إلى هلاك قسم كبير من قواته في هذه المنطقة التي عرفت فيما بعد ( بقصر مجاشع ) (2) . على أثر ذلك رجع مجاشع إلى إقليم فارس لإعادة تنظيم قواته في هذا الإقليم ، الذي إتخذ من قبل عبد الله بن عامر قاعدة رئيسية لتجمع القوات العربية وإنطلاقها لفتح بقية أقاليم فارس الشرقية . وبعد أن إستكمل مجاشع بن مسعود إعادة تنظيم قواته ، أعاده عبد الله بن عامر ثانية على رأس قوة كبيرة إلى إقليم كرمان ، فهاجم مجاشع بيمند ثانية وتمكن من فتحها بعد حصار دام عدة أيام ، بعدها تقدم بقواته لفتح بقية مدن كرمان ، فتمكن من فتح مدينة ( بروخروه ) (3) ، ثم واصل تقدمه نحو مدينة ( السيرجان ) (4)الواقعة في الأطراف الغربية من حدود إقليم كرمان المتآخمه لأقليم فارس ، فحاصرها عدة أيام ، وعلى اثر هذا الحصار إضطرت القوات الفارسية المتحصنة داخل هذه المدينة من الخروج والإشتباك مع القوات العربية فتمكن مجاشع بقواته من الحاق الهزيمة بها وفتح المدينة عنوة ، وبعدها فتحها خلف عليها مجاشع احد القواد العرب لتنظيم **************************************************************
(1) أنظر خليفة : التاريخ ص 164 ، البلاذري : الفتوح ص 383 .
(2) أنظر البلاذري : الفتوح ص 383 ، الطبري : التاريخ 4 / 286 ـ 287 . (3) نفس المصادر السابقة . (4) السيرجان : يذكر إبن الفقيه أن السيرجان مدينة كرمان ، بينها وبين شيراز أربعة وعشرون فرسخاً ، بينما أعدها ابن البناء البشاري ، مصر إقليم كرمان وأكبر قصباتها . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 99 ، ياقوت : معجم البلدان 3 / 295 .
أمورها (1)، بينما توجه هو لإستكمال فتح بقية مدن الإقليم ، فتمكن من فتح مدينتي ( جيرفت ) (2) و ( القفص ) (3) عنوة ، ومن مدينة القفص توجه إلى مدينة هرمز التي تجمعت فيها اعداد كبيرة من القوات الفارسية فقاتلهم مجاشع وتمكن من الإنتصار عليهم ، مما أدى إلى إنهزام قسم من هذه القوات إلى مكران والقسم الآخر إلى سجستان (4) .
وبعد أن إستكمل مجاشع بن مسعود فتحه لإقليم كرمان ، إستقرت الأوضاع في هذا الإقليم لصالح العرب المسلمين ، مما أدى إلى إستقرار بعض العرب في هذا الإقليم وأعملوا على تعمير أرضه وزرعها وحفر القنوات فيها ودفع العشر عنها (5) . وقد نال إقليم كرمان اهمية كبيرة لدى العرب الفاتحين لإنه يمثل أحد الطرق الرئيسية التي عن طريقها تستطيع القوات العربية الوصول إلى سجستان وخراسان ، لذا ركز العرب في عملياتهم العسكرية في إقليم كرمان على المناطق الواقعة على الطريق الذي يخترق كرمان إلى سجستان وخراسان ، إعتباراً من مدينة بيمند غرب كرمان فالسيرجان وجيرفت وإنتهاءاً القفص شرقي كرمان ، وبعد أن إستطاع العرب تأمين هذا الطريق بدأوا بالتخطيط للإندفاع إلى إقليم سجستان ومنه إلى أغنى وأهم إقليم في الشرق الا وهو إقليم خراسان ، كذلك أصبحت السيرجان أكبر مدن كرمان (6) قاعدة عسكرية إتخذها عبد الله بن عامر فيما بعد لينطلق منها لفتح بقية الأقاليم الشرقية من بلاد فارس . **************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 383 .
(2) جيرفت : مدينة كبيرة وجليلة من أعيان مدن كرمان وأنزهها وأوسعها . ياقوت : معجم البلدان 2 / 198 م . (3) القفص : مدينة جليلة في بلاد كرمان مما يلي البحر . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 97 ، ياقوت : معجم البلدان 4 / 381 . (4) البلاذري : الفتوح ص 383 ـ 384 . (5) نفس المصدر السابق . (6) الأصطخري : مسالك الممالك ص 99 .
فتح إقليم سجستان (1)
بوصول عبد الله بن عامر إلى إقليم كرمان وإتخاذ السيرجان قاعدة عسكرية لتنظيم قواته ، أخذ يعد العدة لفتح إقليم خراسان الهدف الرئيس والأساس الذي تسعى القوات العربية إلى بلوغه ، وقد حتمت عليه الضرورة العسكرية فتح إقليم سجستان قبل التوجه إلى إقليم خراسان ، ليؤمن بفتحه لهذا الإقليم الجانب الشرقي للقوات العربية ويفوت على الفرس فرصة الإلتفاف على قواته وهي متقدمة لفتح إقليم خراسان . لذلك وجه عبد الله بن عامر ، الربيع بن زياد على رأس قوة كبيرة إلى إقليم سجستان (2) ، وكان على الربيع قطع المفازة (3) ( الصحراء الكبرى ) ليصل إلى سجستان ، فسار بقواته حتى وصل مدينة الفهرج ، الواقعة في الطرف الجنوبي من مفازة بإتجاه إقليم كرمان ، ثم قطع مفازة من أضيق نقطة فيها وهي خمسة وسبعون فرسخاً (4) ، فوصل رستاق زالق (5) وهو حصن منيع بينه وبين سجستان خمسة فراسخ (6) ، فهاجم أهله مستغلاً مناسبة إحتفال الفرس في يوم مهرجانهم ، فأسر دهقانه الذي إفتدى نفسه ( بإن ركز عنزة ثم غمرها ذهباً وفضة وصالحه الدهقان على حقن دمه ) (7) وبذلك فتحت زالق صلحاً . **************************************************************
(1) إقليم سجستان : ناحية كبير وولاية واسعة تضم مدناً وقرى كبيرة يحدها من الشرق مفازة بين مكران وأرض السند ، ومن الغرب خراسان ، ومن الشمال أرض الهند ومن الجنوب المفازة التي بين سجستان وفارس وكرمان .
أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 137 ، ياقوت : معجم البلدان 3 / 190 . (2) خليفة : التاريخ ص 164 ، البلاذري : الفتوح ص 385 . (3) المفازة : هي مفازة خراسان وفارس ، يحدها من الشرق مكران وشيء من سجستان ومن الغرب قومس والري وقم وقاشان ، ومن الشمال خراسان وشيء من سجستان ، ومن الجنوب كرمان وفارس وشيء من أصبهان . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 133 . (4) البلاذري : الفتوح ص 385 . (5) زالق : رستاق كبير فيه قصور وحصون من نواحي سجستان . أنظر ياقوت : معجم البلدان 3 / 127 ، إبن عبد الحق : مراصد الإطلاع 2 / 655 . (6) البلاذري : الفتوح ص 385 . (7) البلاذري : الفتوح ص 385 ، أنظر أيضاً خليفة : التاريخ ص 164 .
بعدها توجه الربيع إلى قرية يقال لها كركويه (1) ، الواقعة على بعد خمسة أميال من زالق فصالحه أهلها ولم يقاتلوه ، كذلك تمكن من فتح رستاق يقال له هيسون صلحاً دون قتال ، ولكي يتوجه الربيع إلى زرنج (2) مركز إقليم سجستان رجع إلى زالق ليأخذ الإدلاء منها إلى زرنج .
خرج الربيع من زالق بإتجاه زرنج ، فإجتاز نهر الهندمند (3) ، وعبر وادياً يقال له نوق حتى وصل إلى ناحية ذوشت (4)الواقعة على بعد ثلثي ميل من مدينة زرنج ، فخرج إليه أهلها وقاتلوه قتالاً شديداً ، أصيب على أثر هذا القتال عدد من العرب المسلمين ، لكن العرب كروا ثانية على الفرس فهزموهم وإضطروهم إلى دخول المدينة بعد أن قتلوا عدداً كبيراً منهم وتمكنوا من فتحها عنوة ، ثم إتجه الربيع إلى نواحي أخرى من سجستان فأتى ناحية يقال لها ناشروز (5) ، فقاتل أهلها وظفر بهم ، ومضى بعد ذلك من ناشروز إلى ناحية أخرى يقال لها شرواذ (6) فغلب عليها (7) . إتجه بعدها الربيع إلى مدينة زرنج مركز إقليم سجستان ، فحاصرها بعد أن قاتله أهله وهزمهم ، ولما طال الحصار بعث إليه مرزبانها أبرويز يستأمنه ليصالحه ، فإذن له الربيع وأمنه ، وبذلك تمكن الربيع من فتح زرنج صلحاً (8) . وبعد أن تمكن الربيع من فتح مدينة زرنج إتخذها قاعدة ينظم فيها قواته لينطلق منها لإستكمال فتح بقية مدن وقرى سجستان ، فعبر الربيع بقواته وادي يقال له سناروذ (9) وأتى القريتين ، فقاتله أهلها فتمكن من إلحاق الهزيمة بهم ، بعد ذلك رجع إلى قاعدة **************************************************************
(1) كركوية : مدينة من نواحي سجستان فيها بيت نار معظمه عند المجوس .
أنظر ياقوت : معجم البلدان 4 / 453 ، إبن عبد الحق : مراصد الإطلاع 3 / 1160 . (2) زرنج : وهي أكبر مدن سجستان التي تمتاز بمتانة تحصيناتها الدفاعية وذلك لإن الفرس قد احاطوها بسور وأحاطوا السور بخندق كبير . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 137 . (3) الهندمند : نهر من أعظم أنهار سجستان . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 140 . (4) ذوشت : ناحي من نواحي مدينة زرنج . البلاذري : الفتوح ص 385 . (5 ـ 6) ناشروز وشرواذ : ناحيتان من سجستان . ياقوت : معجم البلدان 5 / 251 . (7) خليفة : التاريخ ص 164 ، البلاذري : الفتوح ص 385 . (8) نفس المصادر السابقة . (9) سناروذ : إسم لنهر بسجستان ، يأخذ من نهر هندمند ، وتتشعب منه عدة أنهر تسقي الرساتيف ، ياقوت : معجم البلدان 3 / 260 ، إبن عبد الحق : مراصد الإطلاع 2 / 742 .
إنطلاقة زرنج ، ونظراً للجهد الذي أبداه الربيع في فتح إقليم سجستان فقد ولاه إبن عامر على إقليم سجستان سنتين ونصف السنة عمل خلالها على إستكمال فتح ما تبقى من إقليم سجستان ، ولكن إبن عامر إستدعى الربيع بن زياد ، فإستخلف الربيع على سجستان رجل من بني حارث بن كعب ، الذي تمرد عليه أهل زرنج فأخرجوه وأغلقوا أبواب المدينة (1) ، وهذا مما إضطر إبن عامر إلى إرسال عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمش إلى سجستان ، وبوصول إبن سمرة إلى سجستان تمكن من محاصرة زرنج مما إضطر مرزبانها إلى طلب الصلح على ألفي ألف درهم وألفي وصيف (2) .
وبعد أن تمكن إبن سمرة من إعادة فرض سيطرة القوات العربية وتثبيت الحكم العربي على زرنج توجه إلى إخضاع المناطق الواقعة مابين زرنج وكش (3) من ناحية ، والمناطق الواقعة ما بين طرق الرخج (4) وبلاد الدوار (5) من ناحية أخرى ، فتوجه إلى هذه المناطق بقوة بلغ عددها ثمانية آلاف مقاتل ، فلما وصل إلى بلاد الدوار حاصر أهلها في جبل الروز مما إضطرهم إلى طلب الصلح فأجابهم إبن سمرة إلى ذلك ، ثم تمكن بعد ذلك من فتح بست (6) وزابل (7) صلحاً (8) . وبذلك إستطاعت القوات العربية أن تؤمن المناطق الجنوبية والشرقية المتاخمه لإقليم خراسان وذلك بفتحها لإقليم فارس وكرمان وسجستان لتمنع أي هجوم مباغت تقوم به القوات الفارسية على القوات العربية عند إندفاعها لفتح إقليم خراسان . **************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 386 .
(2) أنظر خليفة : التاريخ ص 167 ، البلاذري : الفتوح ص 386 . (3) كش : مدينة من مدن سجستان ، بينها وبين سجستان ثلاثون فرسخاً مما يلي حد كرمان . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 137 ، 144 . (4) الرخج : كورة ومدينة من نواحي كابل . ياقوت : معجم البلدان 3 / 38 . (5) الدوار : إسم وادي وقيل جبل في سجستان . ياقوت : معجم البلدان 2 / 279 . (6) بست : مدينة بين سجستان وغزنين وهراة ويظنها ياقوت من أعمال كابل . أنظر ياقوت : معجم البلدان 1 / 414 . (7) زابل : هي زابلستان ، وهي كورة واسعة قائمة بذاتها جنوبي بلخ وطخارستان وقصبتها غزنة . ياقوت : معجم البلدان 3 / 125 . (8) البلاذري : الفتوح ص 386 .
اقليما خراسان وقوهستان ، مع قسم من اقليم سجستان
فتح إقليم خراسان (1)
يعد فتح إقليم خراسان المحور الأساسي لكافة العمليات العسكرية لبلاد فارس ، لما يتمتع به هذا الإقليم من أهمية خاصة بالنسبة للعرب الفاتحين ، وذلك لإن يزدجر رمز الإمبراطورية المهزوم قد ولى هارباً إلى إقليم خراسان بعد الإنتصارات التي حققها العرب المسلمون في إقليم فارس وكرمان وسجستان ، وإتخذ من مرو مقراً له يثير منه بقايا الفرس ضد العرب لذا فإن وصول العرب المسلمين لهذا الإقليم وفتحه يعني القضاء على رمز المقاومة الفارسية وإتمام فتح بلاد فارس بأكملها ، كما وإن فتح هذا الإقليم يعتبر أكبر إنجاز تحققه القوات العربية الإسلامية المنطلقة من جبهة البصرة ، وذلك لبعده الشاسع ولسعة أراضيه ولإهمية موقعه في أقصى الشرق من بلاد فارس التي سوف تبرز فيما بعد لإنه سوف يمثل الممر الرئيسي للحملات العسكرية إلى فتح بلدان الشرق الأقصى . **************************************************************
(1) إقليم خراسان : بلاد واسعة ، يحيط بها من الشرق نواحي سجستان وبلد الهند ، وفي الغرب مفازة القرية ونواحي جرجان ، ومن شمالها ما وراء النهر وشيء من بلد الترك ، ومن الجنوب مفازة فارس وقومس .
يشتمل إقليم خراسان على أمهات المدن منها نيسابور وهراه ومرو وهي قصبة إقليم خراسان . وبلخ وطاقان ونسا وأبيوردوسرخس وما يتخلل ذلك من مدن التي دون نهر جيحون ، ومن الناس من يدخل أعمال خوارزم فيها وبعد ما وراء النهر منها وليس الأمر كذلك . ويذكر البلاذري : أن خراسان أربعة أرباع ، فالربع الأول إيران شهر وهي نيسابور وقهستان والطبسان وهراة وبوشنج وياذغيس وطوس وإسمها طابران ، والربع الثاني مرو الشاهجان وسرخس ونسا وأبيورد ومرو الروذ والطالقان وخوارزم وآمل وهما على نهر جيحون ، والربع الثالث وهو غربي النهر وبينه وبين النهر ثمانية فراسخ ، الفارياب والجوزجان وطخارستان العليا وخست وأندرايه والباميان وبغلان ووالج ، وهي مدينة مزاحم بن بسطام ، ورستاق بيل وبذخشان ، وهي مدخل الناس إلى تبت ، ومن إندرايه يدخل الناس إلى كابل ، والترمذ ، وهي في شرقي بلخ ، والصفانيان وبلخارستان السفلى وخلم وسمنجان ، والربع الرابع ما وراء النهر بخارى والشاش والطراربند والصفد ، وهوكس ، ونسف والروبستان ، وأشروسنه وسنام ، وقلعة المقنع ، وفرغانه وسمرقند . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 145 ، ياقوت : معجم البلدان 2 / 350 ـ 351 ، إبن عبد الحق : مراصد الإطلاع 2 / 455 ـ 456 .
إن إولى المحاولات التي جرت لفتح إقليم خراسان كانت في فترة ولاية أبي موسى الأشعري ، عندما أرسل عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، الذي إجتاز كرمان ومضى حتى بلغ الطبسين (1) ، اللذين يعدان بأبي خراسان ، وقد تمكنت قوات عبد الله بن بديل من تحقيق إنتصارات متلاحقة أصابت منها غنائم كبيرة ، هذا مما أضطر قوم من أهل الطبسين الذهاب إلى الخليفة عمر بن الخطاب وطلب الصلح منه ، فصالحهم على ستين ألفاً ويقال على سبعين ألفاً ، وكتب لهم الخليفة عمر كتاب بهذا الصلح (2) ، إلا أن القوات العربية الإسلامية لم تواصل تقدمها وإنما توقفت عند هذا الحد من أقليم خراسان ويبدو أن هذا التوقف كان بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب .
إلا أن الخليفة عثمان بن عفان الذي خلف عمر بن الخطاب كان مقتنعاً بضرورة فتح إقليم خراسان لإدراكه لإهمية موقعه السوقية والتعبوية بالنسبة للعمليات العسكرية في المشرق ، لذا فعندما إستكمل ابن عامر عامله على البصرة فتحه لإقليم فارس وكرمان وسجستان كتب له يأمره بالتوجه لفتح إقليم خراسان ، بعد أن يقضي على تمرد أهل الطبسين الذين نقضوا صلحهم مع العرب وغدروا (3) . وفعلاً توجه عبد الله بن عامر على رأس القوات العربية لفتح إقليم خراسان ، مجتازاً الصحراء الكبرى من جهة المناطق الشمالية من إقليم كرمان ، وبوصوله إلى منطقة الطبسين تمكن من فتحها صلحاً بعد قضائه على التمرد الذي أعلنه أهلها ضد الحكم العربي ، بعد ذلك وجه إبن عامر ، الأحنف بن قيس على رأس القوات العربية إلى قوهستان (4) ، المتاخمة على للحدود الجنوبية الغربية لإقليم خراسان ، فلقيه الهياطلة (5) ، **************************************************************
(1) الطبسين : قصبة ناحية بين نيسابور وأصبهان وشيراز وكرمان ، تسمى قهستان قاين وهما بلدتان كل واحدة منهما يقال لها طبس ، إحداهما طبس العناب والأخرى طبس التمر . ياقوت : معجم البلدان 4 / 20 .
(2) البلاذري : الفتوح ص 394 . (3) نفس المصدر السابق . (4) قوهستان : هي إحدى كور إقليم خراسان ، قصبتها قائن ومدنها متباعدة في أعراض مفازة ، وليس بقوهستان ، نهر جار أنما هي القني والآبار . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 154 ، ياقوت : معجم البلدان 4 / 416 . (5) الهياطلة : هم قوم من الأتراك ، كانت لهم السيطرة على بلاد ما وراء النهر ، عرفوا أيضاً ( بإسم الكوشان ، ويعد ًأتراك خلج وكنجينة من بقاياهم ) . إنظر الخوارزمي مفاتيح العلوم ص 99 ، بارتولد : تركستان ص 188 ، ويذكر البلاذري أن قسماً منهم كانوا معاونين لإهل قوهستان في مقاومتهم للفتح العربي الإسلامي عندما توجه الأحنف بن قيس لفتح هذه البلاد . البلاذري : الفتوح ص 394 .
فقاتلهم حتى ألجأهم إلى حصنهم ، وفتح قوهستان عنوه ، ثم قدم عليه إبن عامر فطلبوا الصلح فصالحهم على ستمائة ألف درهم (1) .
وبعد ان أتم إبن عامر تنظيم قواته في قوهستان توجه إلى نيسابور (2) ، التي تعد من أهم مدن خراسان ، لإتخاذها قاعدة عسكرية ينطلق منها إلى بقية مدن خراسان ، ولكي يسهل عملية دخوله إلى المدينة ،وجه وفي نفس الوقت عدد من السرايا هاجمت عدداً من رساتيقها وقراها . فأرسل سرية بقيادة أبا سالم بن يزيد لفتح المناطق الغربية من إقليم خراسان فتمكن من فتح زام (3) وباخرز (4) من نسيابور عنوة ، وفتح كذلك جوين (5) ، من أعمال نيسابور وسبى أغلب أهلها (6) . وبعث إبن عامر سرية أخرى بقيادة الأسود بن كلثوم العدوى إلى بيهق (7) ، فقاتل اهلها قتالاً شديداً بعد أن تمكن من دخول المدينة مع مجموعتين من المقاتلين العرب من ثلمة كانت في حائط المدينة ، لكن العدو تمكن من محاصرتهم داخل المدينة ، فإستشهد الأسود مع عدد من قواته ، عندئذ تولى قيادة المقاتلين من بعده آدم بن كلثوم الذي تمكن من إلحاق الهزيمة بالفرس وفتح بيهق " (8) . **************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 394 ، الطبري : التاريخ 4 / 301 .
(2) نيسابور : وتسمى أيضاً أبرشهر أو إبراشهر ، وهي مدينة عظيمة ذات ارض سهلة وحدود واسعة ورساتيق عامرة . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك 145 ، 146 ، ياقوت : معجم البلدان 5 / 331 . (3) زام : إحدى كور نيسابور المشهورة قصبتها البوزجان . ياقوت : معجم البلدان 3 / 127 . (4) باخرز كورة ذات قرى كبيرة ، قصبتها مالين ، تقع بين نيسابور وهراة . ياقوت : معجم البلدان 1 / 316 . (5) جوين : كوره جليلة نزهة على طريق القوافل من بسطام إلى نيسابور ، حدودها متصلة بحدود بيهق من جهة الجنوب وبحدود جاجرم من جهة الشمال ، قصبتها آزاذوار . ياقوت : معجم البلدان 2 / 192 . (6) البلاذري : الفتوح ص 394 . (7) بيهق : ناحية كبيرة من نواحي نيسابور ، بين أول حدودها ونيسابور ستون فرسخاً . ياقوت : معجم البلدان 1 / 537 . (8) أنظر خليفة : التاريخ ص 164 ، البلاذري : الفتوح 394 .
, وفي الوقت نفسه هاجم ابن عامر عدداً من رساتيق نيسابور منها بشت (1) وأشبند (2) ورخ (3) وزاوه (4) وخواف (5) وأسبرائن (6) وأرغيان (7) ، فتمكن من فتفتحها جميعاً (8) .
ثم قصد إبن عامر بعد ذلك مدينة نيسابور ( أبرشهر ) بعد ان فرض سيطرته على جميع كورها ورساتيقها ومدنها فحاصر أهلها أشهراً لكن مرزبانها طلب الأمان والصلح على جميع أرض نيسابور وعلى وظيفة يؤديها ، فصالحه إبن عامر على ألف ألف درهم ، وقد إستعمل إبن عامر ، قيس بن الهيثم السلمي على نيسابور بعد فتحها (9) وبعد فتح نيسابور إتخذها عبد الله بن عامر قاعدة عسكرية تنطلق منها قواته لإستكمال فتح إقليم خراسان ، وقد إستخدم إبن عامر في مهاجمته لمدن خرسان طريقة إرسال مجاميع السرايا إلى عدد من هذه المدن وفي نفس الوقت ، حيث كان هدفه من وراء ذلك هو منع تجمع أهل خراسان وتشتيت شملهم وجعلهم يقاتلون في أكثر من جبهة وفي وقت واحد ، ليتسنى له بعد ذلك الإنتصار عليهم بسهولة . حيث أرسل جيشاً بقيادة عبد الله بن خازم السلمي لفتح المناطق الواقعة في أقصى الشمال الغربي من خراسان ، فتمكن من فتح حمراندز (10) وهو رستاق من نسا(11) ، وفي طريق توجهه إلى نسا ، تقدم إليه صاحب نسا طالب الصلح منه فصالحه على ثلاثمائة ألف درهم ، ويقال على إحتمال الأرض من الخراج على أن لا يقتل أحداً أو يسبيه ، **************************************************************
(1) بشت : بلدة بنواحي نيسابور ، وقيل هي كوره قصبتها طريثيت . ياقوت : معجم البلدان 1 / 425.
(2) أشبند : من كور نيسابور . البلاذري : الفتوح ص 395 . (3) رخ : كوره من نيسابور تشتمل على مائة قرية وست قرى قصبتها بيشك . ياقوت : معجم البلدان . (4) زاوه : كوره من نيسابور تشتمل على مائتين وعشرون قرية . ياقوت : معجم البلدان 3 / 28 . (5) خواف : قصبة كبيرة من أعمال نيسابور بخراسان ، يتصل أحد جانبيها ببوشنج من أعمال هراة والآخر بزوزت ، تشتمل على مائتي قرية وثلاث مدن هي سنجان وسيرواند وخرجرد . ياقوت : معجم البلدان 2 / 399 . (6) إسبرائن : من مدن نيسابور . الأصطخري : مسالك الممالك ص 146 . (7) أرغيان : من مدن نيسابور . الأصطخري : مسالك الممالك ص 146 . (8) البلاذري : الفتوح ص 395 . (9) أنظر خليفة : التاريخ ص 164 ، البلاذري : الفتوح ص 395 ، الطبري : التاريخ 4 / 302 . (10) حمراندز : ومعناها بالفارسية قلعة حمران ، وهي بخراسان . ياقوت : معجم البلدان 2 / 201 . (11) نسا : مدينة بخراسان ، بينها وبين نيسابور ستة أو سبعة أيام ، بينها وبين مرو خمسة أيام ، وهي مدينة موبؤة . ياقوت : معجم البلدان 5 / 282 .
ثم توجه إبن حازم بإمر من عبد الله بن عامر إلى أبيورد (1) لكن مرزبان ابيورد وإسمه بهمنه سبقه إلى إبن عامر فصالحه على أربعمائة ألف درهم ، ويقال ان ابن عامر لما وجه عبد الله بن خازم الى ابيورد صالح اهلها على اربعمائة الف درهم (2) .
وبعد أن تمكن إبن حازم من إستكمال فتحه للمناطق الواقعة في أقصى الشمال الغربي من خراسان ، وجهه إبن عامر على رأس القوات العربية إلى مدينة سرخس(3) والمناطق المحيطة بها في وسط خراسان ، فقاتل إبن خازم أهلها قتالاً شديداً مما إضطر مرزبانها إلى طلب الصلح ، وقد وجه إبن خازم من مدينة سرخس يزيد بن سالم إلى مدينة كيف (4) . فتمكن من فتحها ، وعلى أثر هذه الإنتصارات العظيمة توجه كنازتك مرزبان طوس (5) إلى عبد الله بن عامر فصالحه عن طوس بستمائة ألف درهم (6) . ووجه إبن عامر جيشاً إلى هراه (7) ، بقيادة أوس بن ثعلبة بن رقى ، ويقال خليد بن عبد الله الحنفي ، فلما بلغ مرزبانها هراه مسير الجيش العربي إليه ، بادر إلى مقابلة إبن عامر طالباً الصلح منه على هراة وبوشنج (8) **************************************************************
(1) أبيورد : مدينة بخراسان بين سرخس ونسا ، وبئه رديئة الماء . ياقوت : معجم البلدان 1 / 86 .
(2) البلاذري : الفتوح ص 395 ، الطبري : التاريخ 4 / 302 . (3) سرخس : مدينة قديمة من نواحي خراسان كبيرة واسعة بين نيسابور ومرو في وسط الطريق ، بينها وبين كل واحدة منهما ستة أيام . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 154 ، ياقوت : معجم البلدان 3 / 208 . (4) كيف : مدينة قديمة بين باذغيس ومرو الروذ ، وتعد من مرو الروذ . ياقوت : معجم البلدان 4 / 497 . (5) طوس : مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور نحو عشرة فراسخ تشتمل على بلدتين يقال لأحداهما الطابران وللأخرى نوقان ولها أكثر من ألف قرية . ياقوت : معجم البلدان 4 / 49 . (6) البلاذري : الفتوح ص 396 ، الطبري : التاريخ 4/ 302 . (7) هراه : مدينة عظيمة من أمهات مدن خراسان لها عدة أعمال ، وفيها عدة مدن مشهورة . أنظر الأصطخري : مسالك المممالك ص 149 ، ياقوت : معجم البلدان 5 / 396 . (8) بوشنج : بلدة نزهة خصبة في واد مشجر من نواحي هراة ، بينهما عشرة فراسخ ، تقع بين نيسابور وهراة . ياقوت : معجم البلدان 1 / 508 .
وباذغيس (1) ، أما طاغون وباغون (2) فقد تم فتحمها عنوه ، وذكر في رواية أخرى أن إبن عامر سار بنفسه إلى هراة ، فقاتل أهلها ثم صالحه مرزبانها عن هراة وبوشنج وباذغيس على ألف ألف درهم (3) .
ولما غلب إبن عامر على هذه البلدان والقرى وما جاورها أرسل إليه مرزبان مرو الشاهجان (4) يسأله الصلح ، فوجه إليه إبن عامر ، حاتم بن النعمان الباهلي فصالحه على ألفي ألف ومائتي ألف درهم ، وقيل على ألف ألف درهم ومائتي ألف جريب من بر وشعير ، وقيل على ألف ألف ومائة ألف أوقية ، وكان في صلحهم أن يوسعوا للعرب في منازلهم وأن عليهم قسمة المال وليس على العرب إلاّ القبض ، وكانت مرو قد فتحت بإكملها صلحاً إلا قرية منها يقال لها السبخ (5) ، فأنها فتحت عنوة (6) ، ووجه إبن عامر الأحنف بن قيس إلى طخارستان (7) ، **************************************************************
(1) باذغيس : ناحية تشتمل على قرى من أعمال هراة ومرو الروذ ، قصبتها بون وبامئين وهما بلدتان متقاربتان . ياقوت : معجم البلدان 1 / 318 .
(2) باغون : بلدة من أعمال بوشنج من أعمال هراة . ياقوت : معجم البلدان 1 / 326 . (3) البلاذري : الفتوح ص 396 . (4) مرو الشاهجان : وتسمى مرو العظمى وهي أشهر مدن خراسان وقصبتها ، تقع على مقربة من مرو الروذ بينهما خمسة أيام ، وبين مرو ونيسابور سبعون فرسخاً ، ومنها إلى سرخس ثلاثون فرسخاً وإلى بلخ مائة وإثنان وعشرون فرسخاً وإثنان وعشرون منزلاً . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 147 ، ياقوت : معجم البلدان 5 / 112 ـ 113 . (5) السبخ : قريتان بمرو إحداهما يقال له سبخ عباد ، وسبخ أعظم من قرى مرو الشاهجان وتقع على نهر ، بينها وبين مرو أربعة فراسخ . ياقوت : معجم البلدان 3 / 264 . (6) أنظر خليفة : التاريخ ص 165 ، البلاذري : الفتوح ص 396 ، الطبري : التاريخ 4 / 302 ـ 303 . (7) طخارستان : ولاية واسعة كبيرة تشتمل على عدة مدن ، وهي من نواحي خراسان ، وهي طخارستان العليا والسفلى ، فالعليا شرقي بلخ غربي نهر جيحون ، بينها وبين بلخ ثمانية وعشرون فرسخاً ، وأما السفلى فهي أيضاً غربي جيحون إلاّ إنها أبعد من بلخ وأضرب في الشرق من العلي، ومن أكبر مدنها الطالقان . أنظر الأصطخري : مسالك الممالك ص 156 . ياقوت : معجم البلدان 4 / 23 .
فأتى الأحنف الموضع الذي عرف فيما بعد ( بقصر الأحنف ) (1) وهو حصن من مرو الروذ (2)، وله رستاق عظيم يدعى بشق الجرذ ، عرف فيما بعد برستاق الأحنف ، فحاصر أهله مما إضطرهم إلى عقد الصلح على ثلثمائة ألف درهم ، فقال الأحنف ( أصالحكم على أن يدخل رجل منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى أنصرف فرضوا ) (3) .
إتجه الأحنف بعد ذلك إلى مدينة مرو الرذ القريبة من مرو الشاهجان ، فتمكن من فتحها صلحاً بعد محاصرتها ، ومن مرو الرذ وجه الأحنف بن قيس سرية تمكنت من فتح رستاق بخ (4) وإستاقت مواشي منه بعد أن صالحوا أهله (5) . وأثناء توغل الأحنف في أرض طخارستان ، اجتمع اهل طخارستان لحربه مع أهل الجوزان (6) ، والطالقان (7) ، والفارياب (8) ، ومن حولهم خلق كثير ، فبلغوا ثلاثين ألفاً وإنظم إليهم أهل الصفانيان (9) وهم من الجانب الشرقي في نهر جيحون ، فرجع الأحنف إلى قصره (10) ، وإستشار أصحابه فأختلفوا في الرأي فبين قائل نرجع إلى مرو ، وقائل نرجع إلى أبرشهر ، وقائل نقيم فنستمد ، وقائل نلقاهم فنناجزهم (11) **************************************************************
(1) قصر الأحنف : حصن بطخارستان يقال له سنوان ، حاصره الأحنف ثم صالح أهله على مال وأمنهم ، لذلك قيل حصن الأحنف . ياقوت : معجم البلدان 4 / 355 .
(2) مرو الرذ : وهي مدينة قريبة من مرو الشاهجان بينهما خمسة أيام ، تقع على نهر عظيم وهي صغيرة بالنسبة إلى مرو الأخرى . ياقوت : معجم البلدان 5 / 112 . (3) أنظر البلاذري : الفتوح ص 397 ، الطبري : التاريخ 4 / 310 ـ 311 . (4) بخ : ويقال لها بخشور أيضاً ، وهي بليدة من هراة ومرو والروذ . ياقوت : معجم البلدان 1 / 467 . (5) البلاذري : الفتوح ص 397 ، وأنظر أيضاً الطبري : التاريخ 4 / 310 . (6) الجوزان : وهي كورة واسعة من كور بلخ بخراسان تقع بين مرو الروذ وبلخ . ياقوت : معجم البلدان 2 / 182 . (7) الطالقان : بلدتان إحداهما بخراسان تقع بين مرو الروذ وبلخ وبينها وبين مرو الروذ ثلاث مراحل ، ويذكر الأصطخري ، اكبر مدينة بطخارستان هي الطالقان . انظر الاصطخري : مسالك الممالك ص 156 ، ياقوت : معجم البلدان 4 / 6 . (8) الفارياب : مدينة مشهورة بخراسان من أعمال الجوزجان قرب بلخ غربي جيحون . ياقوت : معجم البلدان 4 / 229 . (9) الصفانيان : ولاية عظيمة بما وراء النهر متصلة الأعمال قرب بترمذ . ياقوت : معجم البلدان 3 / 408 ـ 409 . (10) البلاذري : الفتوح ص 397 ، الطبري : التاريخ 4 / 311 . (11) الطبري : التاريخ 4 / 311 .
لكن أخيراً إستقر رأي الأحنف على ضرورة الإلتقاء بهم ، على أن يختار ميداناً ضيقاً للقتال ليتغلب بذلك على عامل الكثرة العددية للعدو قياساً إلى حجم قواته ، فقرر أن يختار المنطقة المحصورة بين نهر المرغاب (1) والجبل فيضمن بذلك تحقيق الإنتصار لقواته مهما بلغت أعداد القوات المعادية لإنه سوف لا يلقي من العدو وإن كثرت أعداده إلا بعدد أصحابه (2) .
فإلتقت القوات العربية بالقوات الفارسية ودارت بينهما معركة ضارية إنتصرت على إثرها القوات العربية ، بينما إتجهت معظم القوات الفارسية المنهزمة إلى رسكن(3) الواقعة على بعد إثني عشر فرسخاً من قصر الأحنف (4) . ويذكر أن قسماً من الفرس هربوا من المعركة بإتجاه الجوزان فوجه إليهم الأحنف ، الأقرع بن حابس التميمي على رأس قوة من الخيالة ، وعند وصول الأقرع إلى الجوزان ، إلتقى بالقوات الفارسية هناك ودارت معركة عنيفة إستشهد على أثرها عدد كبير من القوات العربية ، ولكن العرب كروا على الفرس ثانية ، فتمكنوا من إلحاق الهزيمة بهم وقتل عدداً كبيراً منهم وفتح الجوزان عنوه (5) . واصلت القوات العربية بقيادة الأحنف بن قيس عملياتها العسكرية في المناطق الشمالية من خراسان ، فتمكنت من فتح الطالقان والفارياب ، وبعد هذه العمليات العسكرية الناجحة ، عاد الأحنف بن قيس بقواته إلى مرو الروذ التي إتخذها قاعدة لإنطلاق قواته نحو المناطق المجاورة (6) . ويبدو أن العرب كانوا مخططين للوصول إلى نهر جيحون ، لذلك إستهدفوا بعد ذلك في عملياتهم العسكرية فتح بلخ (7) ، التي تقع على نهر جيحون والذي يقال له أيضاً نهر بلخ ، **************************************************************
(1) المرغاب : إسم نهر بمرو الشاهجان . ياقوت : معجم البلدان 5 / 108 .
(2) أنظر البلاذري : الفتوح ص 397 ، الطبري : التاريخ 4 / 312 . (3) رسكن : بلدة بطخارستان . أنظر ياقوت : معجم البلدان 3 / 44 . (4) أنظر خليفة : التاريخ ص 165 ، البلاذري : الفتوح ص 298 ، الطبري : التاريخ 4 / 312 . (5) البلاذري : الفتوح ص 398 ، الطبري : التاريخ 4 / 312 . (6) أنظر خليفة : التاريخ ص 165 ، البلاذري : الفتوح ص 398 ، الطبري : التاريخ 4 / 312 . (7) بلخ : مدينة مشهورة بخراسان وهي من أجل مدنها وأذكرها وأكثرها خيراً وأوسعها غله ، تحمل غلتها إلى جميع خراسان وإلى خوارزم ، ويقال الجيحون نهر بلخ ، بينهما نحو عشرة فراسخ . ياقوت : معجم البلدان 1 / 479 ـ 480 .
لذلك توجه الأحنف بن قيس بأمر من عبد الله بن عامر إلى بلخ ، فصالح أهلها على أربعمائة ألف ويقال على سبعمائة ألف ، وذلك أثبت على حد قول البلاذري ، بعد أن حاصرها عدة أيام ، بعدها إستعمل الأحنف بن قيس إبن عمه أسيد بن المتشمس عليها ليأخذ منهم ما صالحوه عليه (1) .
بينما توجه هو إلى خوارزم (2) ، وحين بلغها الأحنف لم يتمكن من فتحها (3) ، فإستشاره اصحابه فقال له حصين بن المنذر ، قال لك عمرو بن معد يكرب ، قال الأحنف ، وما قال ؟ قال حصين (4) :
فأمر الأحنف قواته بالعودة إلى بلخ ، وكان أسيد بن المتشمس قد قبض صلحها ، وبعد أن تمكنت القوات العربية بقيادة عبد الله بن عامر من فتح معظم أراضي إقليم خراسان ، توجه إبن عامر من إقليم خراسان محرماً لإداء العمره سنة 32 هـ / 652 م ، بعد أن إستخلف عليها قيس بن الهيثم (5) . وقد أكدت العمليات العسكرية الكبيرة والواسعة لإقليم خراسان عن عظم المسؤولية التاريخية التي نهضت بها جبهة البصرة كقاعدة عسكرية مهمة في عمليات فتح المشرق والتي كان لإهلها الدور الرائع والمتميز في تحقيق الإنتصارات المتكررة وحمل راية الإسلام الى هذه البلاد النائية . **************************************************************
(1) أنظر خليفة : التاريخ ص 165 ، البلاذري : الفتوح ص 398 ، الطبري : التاريخ 4 / 313 .
(2) خوارزم : خوارزم ليس لمدينة إنما إسم لناحية بجملتها ويقال لقصبتها الجرجانية ، وتقع بلاد خوارزم على نهر جيحون . ياقوت : معجم البلدان 3 / 395 ـ 398 . (3) خليفة : التاريخ ص 165 ، البلاذري : الفتوح ص 398 ، الطبري : التاريخ 4 / 313 . (4) الطبري : التاريخ 4 / 313 . (5) أنظر خليفة : التاريخ ص 166 ، البلاذري : الفتوح ص 398 ، الطبري : التاريخ 4 / 313 . |
السبت، 16 مارس 2013
فتوحات اسلامية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق