الجمعة، 4 يناير 2013

استجابة الدعاء

استجابة الدعاء


ليس ثمة لذة أعظم من لذة المؤمن وسعادته حينما يرى آثار عمله وإيمانه المترتّبة في استجابة دعائه ، ذلك لاَنّه يحسّ بأنّه موضع لطف بارئه تعالى وعنايته ، وأنّه في ارتباط مباشر مع خالقه ، تلك سعادة ليس فوقها سعادة : « وأنلني حسن النظر في ما شكوت ، وأذقني حلاوة الصنع في ما سألت » (1) .

ولكي نعيش لحظات تلك البهجة ونذوق حلاوة السرور ، علينا أن نتعرف على العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء ، فقد يظنّ البعض أنّ السر في استجابة الدعاء يكمن في لفظ الدعاء مجرداً عن باقي العوامل الاُخرى ، فكثيراً ما نجد بعض الناس يتناقلن قطعاً من الدعاء المأثور التي هي مظنّة الاجابة أو نصّ على أنها تحتوي على اسم الله الاَعظم ، لكنهم يدعون بها فلا يستجاب لهم ، ذلك لاَنّهم يأخذون لفظ الدعاء مجرداً عن الشروط والآداب التي يجب أن تقارن الداعي فيستجاب دعاؤه .

الدعاء سلاح المؤمن وجنّته الواقية وسهام الليل التي يسدّدها كيفما يشاء ، والسلاح بضاربه لا بحدّه وحسب ، فإذا كان الفارس قوياً شجاعاً ويمتلك الجرأة والاقدام وكان سلاحه تاماً لا عيب فيه ، استطاع النكاية في العدو ، وإلاّ فقد تخلّف الاَثر ، وكذلك يحصل الاَثر من الدعاء ، فإذا راعي الداعي الآداب والشروط التي نصّت عليها الآيات القرآنية والسُنّة المباركة ، والتزم بالعوامل المؤثرة في استجابة الدعاء ، وانقطع إلى ربّه تعالى متخلياً عن جميع الاَسباب الاُخرى ، غير معوّل في تحصيل المطلوب على غير الله تعالى ، ثم دعا الله تعالى بلسانٍ يقرأ مافي صحيفة القلب ، فإنّ دعاءه مستجاب بإذن الله .



العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء:

فيما يلي نذكر أهم العوامل ذات الصلة في تحصيل أثر الدعاء :

1 ـ مراعاة الشروط والآداب الخاصة بالدعاء :

وقد ذكرناها في الفصل الثاني ، ونذكر هنا حديثاً مهماً عن الاِمام الصادق عليه السلام يفيد التذكير بها .

عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال : قلت له : آيتان في كتاب الله لا أدري ما تأويلهما ؟

فقال : « وما هما ؟ قال: قلت: قوله تعالى : ( ادعوني استَجِب لكُم ) (2) ثم أدعو فلا أرى الاجابة !

قال : فقال لي : أفترى الله تعالى أخلف وعده ؟ قال : قلت : لا .

قال : فمه ؟ قلت : لا أدري...

فقال : لكني أُخبرك إن شاء الله تعالى ، أما إنّكم لو أطعتموه فيما أمركم به ثمّ دعوتموه لاَجابكم ، ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم، ولو دعوتموه من جهة الدعاء لاَجابكم .

قال : قلت : وما جهة الدعاء ؟

قال : إذا أديت الفريضة مجّدت الله وعظّمته وتمدحه بكلّ ما تقدر عليه ، وتصلّي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتجتهد في الصلاة عليه وتشهد له بتبليغ الرسالة ، وتصلّي على أئمة الهدى عليهم السلام ، ثمّ تذكر بعد التحميد لله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أبلاك وأولاك ، وتذكر نعمه عندك وعليك ، وما صنع بك فتحمده وتشكره على ذلك ، ثم تعترف بذنوبك ذنب ذنب وتقرّ بها أو بما ذكرت منها ، وتجمل ما خفي عليك منها ، فتتوب إلى الله من جميع معاصيك وأنت تنوي ألا تعود ، وتستغفر الله منها بندامة وصدق نية وخوف ورجاء ، ويكون من قولك : «اللهمّ إني اعتذر إليك من ذنوبي ، واستغفرك وأتوب إليك ، فأعني على طاعتك ، ووفقني لما أوجبت عليَّ من كلِّ ما يرضيك ، فانّي لم أرَ أحداً بلغ شيئاً من طاعتك إلاّ بنعمتك عليه قبل طاعتك ، فأنعم عليَّ بنعمة أنال بها رضوانك والجنة» ثمّ تسأل بعد ذلك حاجتك ، فإنّي أرجو أن لا يخيّبك إن شاء الله تعالى... » (3) .

2 ـ فقدان موانع الاجابة :

ومن الشروط المهمة التي يجب أن يراعيها الداعي ، هو إزالة الحجب والموانع التي تحول دون صعود الدعاء ، كاقتراف المعاصي وأكل الحرام والظلم وعقوق الوالدين وغيرها من الذنوب التي تحبس الدعاء ، ولا يتهيأ للداعي معها الاقبال على ربِّه ، والاقبال هو الشرط الاَساس في استجابة الدعاء ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « خير الدعاء ما صدر عن صدر نقيّ وقلب تقيّ » (4) .

وفيما يلي أهم الموانع التي تحبس الدعاء :

أ ـ اقتراف الذنوب والمعاصي :

قال الاِمام أبو جعفر عليه السلام : « إنّ العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب ، أو إلى وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا تقض حاجته واحرمه إياها ، فإنّه تعرّض لسخطي ، واستوجب الحرمان مني » (5).

ومن دعاء أمير المؤمنين عليه السلام : « اللهمّ إنّي أعوذ بك من ذنبٍ يحبط العمل ، وأعوذ بك من ذنبٍ يعجّل النقم ، وأعوذ بك من ذنبٍ يمنع الدعاء » (6).

وعن الاِمام زين العابدين عليه السلام : « والذنوب التي ترد الدعاء : سوء النية ، وخبث السريرة ، والنفاق ، وترك التصديق بالاجابة ، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها ، وترك التقرّب إلى الله عزَّ وجلّ بالبرّ والصدقة ، واستعمال البذاء والفحش في القول » (7).

ب ـ أكل الحرام :

ورد في الحديث القدسي : « فمنك الدعاء وعليَّ الاِجابة ، فلا تُحجب عني دعوة إلاّ دعوة آكل الحرام » (8).

وروي أنّه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا رسول الله أحبُّ أن يستجاب دعائي ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « طهّر مأكلك ، ولا تدخل بطنك الحرام » (9).

وعن الاِمام أبي عبدالله عليه السلام : « من سرّه أن تستجاب له دعوته ، فليطب مكسبه » (10) .

جـ ـ عقوق الوالدين وقطيعة الرحم :

قال الاِمام زين العابدين عليه السلام : « والذنوب التي تردُّ الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين » (11).

وعن الاِمام أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال: « لاتملّ من الدعاء ، فإنّه من الله عزَّ وجلَّ بمكان، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم » (12).



3ـ ترصد الأزمنة الخاصة:

لابدّ للداعي أن يراعي اختيار الاَوقات التي هي مظنّة الاجابة ، فمن تأمل النصوص الاِسلامية يلاحظ أنّ الاَوقات ليست كلّها سواء ، فمنها ما تفتح فيها أبواب السماء ولا يحجب فيها الدعاء ومنها ما تستنزل فيها الرحمة أكثر من غيرها ، وفيما يلي أهم الاَوقات التي ترجى فيها الاجابة :

أ ـ جوف الليل :

جعل الله تعالى لساعات النصف الثاني من الليل من البركة والرحمة ما لم يجعله في الساعات الاُخرى من الليل والنهار ، ففي هذا الوقت يستولي النوم على غالب الناس ، فيتمكن أولياء الله تعالى من الاقبال عليه بالدعاء والذكر والانقطاع إليه بعيداً عن زحمة الحياة ومشاغلها ، فهذا الوقت إذن هو وقت الخلوة وفراغ القلب للعبادة والدعاء ، وهو يشتمل على مجاهدة النفس ومهاجرة الرقاد ومباعدة وثير المهاد والانقطاع إلى الواحد الاَحد .

عن نوف البكالي ـ في حديث ـ قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه وقال لي : « يا نوف ، إنّ داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنّها ساعة لايدعو فيها عبدٌ إلاّ استُجيب له » (13).

وعن الاِمام الصادق عليه السلام ، قال : « كان فيما ناجى به موسى بن عمران عليه السلام أن قال له : يا بن عمران ، كذب من زعم أنّه يحبّني فإذا جنّه الليل نام عني ، أليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه ؟ ها أنا يا بن عمران مطّلع على أحبّائي إذا جنّهم الليل حوّلت أبصارهم في قلوبهم ، ومثلت عقوبتي بين أعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، ويكلموني عن الحضور .

يا بن عمران ، هب لي من قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ومن عينيك الدموع ، وادعني في ظلم الليل ، فإنّك تجدني قريباً مجيباً» (14).

وعن عبدة السابوري ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : إنّ الناس يروون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « إنّ في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعوة إلاّ استجيب له ؟ قال : نعم .

قلتُ : متى هي ؟ قال : ما بين نصف الليل إلى الثلث الباقي .

قلتُ : ليلة من الليالي أو كلّ ليلة ؟ فقال : كل ليلة » (15).

وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « من قام من آخر الليل فتطهّر وصلّى ركعتين وحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه ، إمّا أن يعطيه الذي يسأله بعينه ، وإمّا أن يدّخر له ما هو خير له منه » (16).

ب ـ زوال الشمس :

عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس ، فإذا أراد ذلك قدّم شيئاً فتصدق به ، وشمّ شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ، ودعا في حاجته بما شاء الله » (17).

وعنه عليه السلام قال : « إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء ، وأبواب الجنان ، وقضيت الحوائج العظام ، فقيل له عليه السلام : من أي وقت ؟ قال عليه السلام : مقدار ما يصلي الرجل أربع ركعات مترسّلاً » (18).

جـ ـ الوتر والسحر وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس :

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « خير وقت دعوتم الله عزَّ وجلّ فيه الاَسحار ، وتلا هذه الآية في قول يعقوب عليه السلام : ( سوفَ أستفِرُ لكُم ربِّي ) (19) قال : أخّرهم إلى السحر » (20).

وقال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : « أجيبوا داعي الله ، واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فإنّه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الاَرض ، وهي الساعة التي يقسّم فيها الرزق بين عباده... توكّلوا على الله عند ركعتي الفجر إذا صليتموها ، ففيها تُعطوا الرغائب » (21).

وقال الاِمام أبو جعفر عليه السلام : « إنّ الله عزَّ وجل يحبُّ من عباده المؤمنين كلّ دعاءٍ ، فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس ، فإنّها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، وتقسم فيها الاَرزاق ، وتقضى فيها الحوائج العظام » (22). وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « يستجاب الدعاء في أربعة مواطن : في الوتر ، وبعد الفجر ، وبعد الظهر ، وبعد المغرب » (23).

د ـ قبل طلوع الشمس وقبل الغروب :

عن الاِمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ( وظِلالُهُم بالغدُوِّ والآصال )(24)، قال : « هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، وهي ساعة اجابة» (25) .

وعن فضيل بن عثمان، عن الاِمام الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : أوصني . قال : « أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث... وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء واجتهد ، ولا يمنعك من شيء تطلبه من ربِّك ، ولا تقل : هذا مالا أُعطاه ، وادعُ فإنّ الله يفعل ما يشاء»(26).

هـ ـ بعد الصلوات المكتوبة :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من أذى لله مكتوبة ، فله في أثرها دعوة مستجابة » (27) .

وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى فرض الصلوات في أفضل الساعات ، فعليكم بالدعاء في أدبار الصلوات » (28). وقال عليه السلام : « عليكم بالدعاء في أدبار الصلوات فإنّه مستجاب » (29).

و ـ ليلة الجمعة ويومها :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ يوم الجمعة سيد الاَيام ، يضاعف الله عزَّ وجلَّ فيه الحسنات ، ويمحو فيه السيئات ، ويرفع فيه الدرجات ، ويستجيب فيه الدعوات » (30) .

وقال الاِمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : « أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة يحافظ عليها ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا يسأل الله تعالى فيها عبدٌ خيراً إلاّ أعطاه » (31).

وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الاِمام من الخطبة إلى أن تستوي الناس بالصفوف ، وساعة اُخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس » (32).

ز ـ ليالي الاحياء :

وتتضمن الدعوات والاَوراد الخاصة في ليلة القدر ، وهي غير محددة بين ليالي شهر رمضان ، والاَرجح أنها في ليالي الافراد الثلاث : 19 ، 21 ، 23 ، وتأكّدت في ليلة الجهني ، وهي ليلة 23 من شهر رمضان (33).

وتعتبر هذه الليلة المباركة من أكثر الليالي أهمية في استجابة الدعاء ونزول الرحمة والملائكة ( ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهر * تنزَّل الملائكةُ والرُّوحُ فيها ) (34) فعلى المؤمن أن يتحرى هذه الليلة ويحييها بالصلاة والدعاء ، وكان الاَئمة من عترة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يهتمون بالقيام فيها وإحيائها بالعبادة والدعاء والاستغفار .

ومن الليالي الاُخرى التي تستحق الاحياء والعبادة والدعاء ، وروي أنّه تؤمل فيها الاستجابة : ليلة الفطر ، وليلة الاَضحى ، وليلة النصف من شعبان ، وأول ليلة من رجب ، فقد روي عن الاِمام الكاظم عليه السلام أنّه قال : «كان علي عليه السلام يقول : يعجبني أن يفرّغ الرجل نفسه في السنة أربع ليالٍ... » (35) وعدّ الليالي المتقدمة .

ومن الليالي التي يستجاب فيها الدعاء ، ليلة العاشر من ذي القعدة ، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « في ذي القعدة ليلة مباركة هي ليلة عشر ، ينظر الله إلى عباده المؤمنين فيها بالرحمة » (36).

ومن الليالي التي تؤمل فيها الاجابة ليلة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويومه ، وليلة مبعثه الشريف ويومه ، ويوم عرفة وليلة عرفة ، وخاصة إذا كان بالموقف أو عند مشهد الاِمام الحسين عليه السلام وليلة عيد الغدير ويومه ، وليلة النصف من رجب (37) .

ح ـ وهناك مواقيت روي أنها تفتح فيها أبواب السماء ، وتهبط فيها الرحمة ، ولا يحجب فيها الدعاء ، وهي ساعة قراءة القرآن ، وأوقات الاَذان ، وساعة نزول المطر ، وساعة التقاء الصفين ، ومصرع الشهداء ، وساعة دعوة المظلوم ، وعند ظهور أيّة معجزة لله في أرضه ، وعند هبوب الريح .

روي عن الاِمام أمير المؤمين عليه السلام أنّه قال : « اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن : عند قراءة القرآن ، وعند الاَذان ، وعند نزول الغيث ، وعند التقاء الصفين للشهادة ، وعند دعوة المظلوم ، فإنّها ليس لها حجاب دون العرش » (38).

وعنه عليه السلام أنّه قال : « تفتّح أبواب السماء عند نزول الغيث ، وعند الزحف ، وعند الاَذان ، وعند قراءة القرآن ، ومع زوال الشمس ، وعند طلوع الفجر » (39).

وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « اطلبوا الدعاء في أربع ساعات : عند هبوب الرياح ، وزوال الاَفياء ، ونزول القطر ، وأول قطرة من دم القتيل المؤمن ، فإنّ أبواب السماء تفتّح عند هذه الاَشياء » (40).

4 ـ اختيار الاَمكنة الخاصة :

إنّ لله تعالى بقاعاً أحبّ أن يُعبد فيها وندب إلى أداء الاَعمال الصالحة فيها ، ومن هنا اكتسبت أهميةً وفضلاً على سواها ، ومن ذلك الفضل استجابة الدعاء في أروقتها ، ومن بين هذه البقاع أيضاً ما عمد الاَئمة الهداة عليهم السلام إلى الدعاء فيها أو حثّوا أصحابهم على زيارتها والدعاء فيها ، وهي بقاع الحج والزيارة المعروفة لدى جميع المسلمين .

أ ـ مكة المكرمة :

وهي البقعة التي اختارها الله تعالى من بين بقاع الاَرض لتكون محلاً لبيته الحرام ومكاناً لعبادته ونيل رحمته ، وفيها الكعبة المكرمة قبلة المسلمين وملجأ الهاربين ، بها يأمن الخائف ، وفيها تنزل الرحمة ، وعندها يستجاب الدعاء .

روي عن الاِمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « ما وقف أحد بتلك الجبال إلاّ استجيب له ، فأمّا المؤمنون فيستجاب لهم في آخرتهم ، وأمّا الكفار فيستجاب لهم في دنياهم » (41).

وترجى إجابة الدعاء في عدة مواضع خلال مناسك الحج ، منها : عند الميزاب ، وعند المقام ، وعند الحجر الاَسود ، وبين المقام والباب ، وفي جوف الكعبة ، وعند بئر زمزم ، وعلى الصفا والمروة ، وعند الجمرات الثلاث ، وفي المزدلفة ، وفي عرفة ، وعند المشعر الحرام (42).

قال الله تعالى : ( فإذا أفضتُم من عرفاتٍ فاذكُروا الله عند المشعر الحرام)(43) .

وروي (أنّ من الذنوب ما لا يغفر إلاّ بعرفة والمشعر الحرام) (44).ومنها : المستجار ، والملتزم ، والركن اليماني .

قال الاِمام علي بن الحسين عليه السلام : « لما هبط آدم عليه السلام إلى الاَرض طاف بالبيت ، فلمّا كان عند المستجار ، دنا من البيت فرفع يديه إلى السماء ، فقال : يا ربِّ اغفر لي ، فنودي : أني قد غفرت لك ، قال : يا ربِّ ، ولولدي ، فنودي : يا آدم ، من جاءني من ولدك فباء بذنبه بهذا المكان غفرت له » (45).

وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « إنّ الله عزَّ وجلّ وكّل بالركن اليماني ملكاً هجّيراً يؤمّن على دعائكم » (46).

وقال عمار بن معاوية : إنّ الصادق عليه السلام كان إذا انتهى إلى الملتزم قال لمواليه : « أميطوا عني حتى أقرّ لربي بذنوبي في هذا المكان ، فإنّ هذا مكان لم يقرّ عبد لربه بذنوبه ، ثم استغفر الله إلاّ غفر الله له » (47).

ب ـ المساجد :

المساجد عموماً بيوت الله في الاَرض ، فمن أتاها عارفاً بحقها ، فإنّ الله تعالى أكرم من أن يخيب زائره وقاصده .

قال الاِمام الصادق عليه السلام : « عليكم باتيان المساجد ، فإنّها بيوت الله في الاَرض... فأكثروا فيها الصلاة والدعاء » (48).

وأشرف المساجد مسجد الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة الذي لا يضاهيه بالفضل والكرامة إلاّ المسجد الحرام .

قال الاِمام الصادق عليه السلام : « إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فائت المنبر وسل حاجتك ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة، ومنبري على بركة من ترع الجنة.. » (49)

ومن المساجد التي ترجى فيها إجابة الدعاء ، مسجد الكوفة الكبير ، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : « ما دعى فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلاّ أجابه الله ، وفرّج عنه كُربته » (50).

ومنها مسجد السهلة بالكوفة ، وممّا ورد في فضل التعبّد فيه والدعاء ماروي عن الاِمام الصادق عليه السلام : « ما أتاه مكروب قط فصلّى فيه ما بين العشاءين ودعا الله إلاّ فرّج الله عنه » (51).

وعنه عليه السلام : « ما صلّى فيه أحدٌ فدعا الله بنيةٍ صادقةٍ إلاّ صرفه الله بقضاء حاجته » (52) .

جـ ـ مشاهد الاَئمة عليهم السلام :

مشاهد الاَئمة المعصومين عليهم السلام الموزعة بين بقيع المدينة المنورة ونجف العراق وكربلاء وسامراء ومشهد الاِمام الرضا في طوس ، من البقاع المقدّسة التي ندب الاَئمة من عترة المصطفى عليهم السلام إلى زيارتها والصلاة فيها قربة إلى الله وأكّدوا على استجابة الدعاء فيها ، والحديث عن فضلها وشرفها جميعاً مما تطول به صفحات هذه الرسالة ، لذا نقتصر في بيان فضل تربة الاِمام الحسين الشهيد عليه السلام في كربلاء ، الذي ضحّى بنفسه وعياله وأهل بيته وأصحابه من أجل الاصلاح في أُمّة جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وإقامة مبادىء الدين القويم على أساس الكتاب الكريم وسُنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

قال الاِمام أبو جعفر عليه السلام : « إنّ الحسين صاحب كربلاء قتل مظلوماً مكروباً عطشاناً لهفان ، فآلى الله على نفسه أن لا يأتيه لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم ولا عطشان ولا من به عاهة ، ثم دعا عنده ، وتقرب بالحسين بن علي عليه السلام إلى الله عزَّ وجلّ إلاّ نفّس كربته ، وأعطاه مسألته ، وغفر ذنبه ، ومدّ في عمره ، وبسط في رزقه » (53).

وعن شعيب العقرقوفي ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : من أتى قبر الحسين عليه السلام ، ماله من الثواب والاَجر ؟ قال عليه السلام : « يا شعيب ، ما صلّى عنده أحد الصلاة إلاّ قبلها الله منه ، ولا دعا عنده أحد دعوة إلاّ استجيب له عاجله وآجله» (54) .

وقال الاِمام الهادي عليه السلام : « إنّ لله تعالى مواضع يحبُّ أن يُدعى فيها ، وحائر الحسين عليه السلام منها » (55).

أما المشاهد الاُخرى لاَئمة أهل البيت عليهم السلام فإنّ واقع الحال ينبىء عن استجابة الدعاء فيها ، فضلاً عن الروايات والاَخبار الكثيرة الواردة في فضل زيارتهم عليهم السلام والتوسل بهم من طرق الفريقين .

روى الخطيب البغدادي في تاريخه بالاسناد عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، قال : سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال يقول : ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أُحبّ (56)

وقال ابن حبان في ترجمة الاِمام الراضا عليه السلام : «ما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس ، فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جده وعليه) ودعوت الله بازالتها عني إلاّ استجيب لي ، وزالت عني تلك الشدة ، وهذا شيء جرّبته مراراً ، فوجدته كذلك ، أماتنا الله على محبّة المصطفى وأهل بيته صلّى الله عليه وعليهم أجمعين» (57).



5ـ اختيارالأدعية التي هي مظنة الإجابة:

من المسائل المهمة التي تواجه الداعي ، هي مسألة اختيار الدعاء المناسب للحال التي يريدها ، والظاهر من النصوص الواردة في هذا الشأن أنّه يجوز للانسان أن يدعو بما جرى على لسانه ، فهو الذي يفصح عن حاله ، وعمّا تكنّه بواطن نفسه ويعبّر عن حاجاته .

روي عن زيارة أنّه قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام علّمني دعاءً ، فقال عليه السلام : « إنّ أفضل الدعاء ما جرى على لسانك » (58).

على أن الدعاء الذي يجري على اللسان قد يكون عرضةً للوهم والخطأ الذي لا يشعر به الاِنسان حال اشتغاله بالدعاء والتوجه إلى الله سبحانه والخشوع والانقطاع ، فلا يستحضر معانيه ودلالاته أو مدى موافقته لقوانين البلاغة واللغة والاعراب .

روي عن الكاهلي أنّه قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام في دعاء : (الحمد لله منتهى علمه) ، فكتب إليَّ : « لا تقولن منتهى علمه ، ولكن قُل منتهى رضاه » (59).

وعن أبي علي القصاب ، قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فقلت (الحمد لله منتهى علمه) ، فقال : « لا تقل ذلك ، فإنّه ليس لعلمه منتهى » (60).

وعن الاِمام أبي الحسن الهادي عليه السلام ، قال : سمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً يقول : اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة ، فقال عليه السلام: «أراك تتعوذ من مالك وولدك، يقول الله عزَّ وجلّ: (انَّما أموالُكُم وأولادُكُم فتنةٌ) (61)ولكن قُل اللهمَّ إنّي أعوذ بك من مضلاّت الفتن » (62).

علاوة على ما تقدم فإنّ الاِنسان قد يجهل ما ينفعه وما يضره ، فيدعو بخلاف مصلحته وبما يعود عليه بالشر والخسران ، ويستعجل في هذا الدعاء ، وهو لا يشعر بعواقبه وما يؤول إليه ، قال تعالى : ( ويدعُ الاِنسانُ بالشرَ دعاءهُ بالخيرِ وكانَ الاِنسانُ عجولاً ) (63).

والله تعالى لا يفعل خلاف مقتضى الحكمة والمصلحة ، فلا يستجيب مثل هذا الدعاء ، أو يؤخّره حتى تكون فيه المصلحة والحكمة .

مراعاة قواعد اللغة والاعراب :

إنّ إعراب ألفاظ الدعاء ومجاراتها لقواعد اللغة والبلاغة ليست شرطاً مهماً في استجابة الدعاء والاِثابة عليه ، بل هي شرط في تمامية فضله وكمال منزلته وعلو مرتبته ، إذ كثيراً ما نشاهد أن من أهل الصلاح والورع ممن يرجى إجابة دعائهم لا يعرفون شيئاً من قواعد اللغة والاعراب ، وعلى العكس من ذلك قد نرى من أهل اللغة والفصاحة والبلاغة من لا يستجاب دعاؤهم ولا تعرف قلوبهم نور الايمان .

قال الاِمام الصادق عليه السلام : « تجد الرجل لا يخطىء بلام ولا واو ، خطيباً مصقعاً ، ولَقَلبُهُ أشدُّ ظلمةً من الليل المظلم » (64).

فميزان التفاضل في قبول الطاعات ومنها الدعاء ، هو اخلاص السريرة، وصفاء القلب ، وإشراقه بنور الايمان .

وقد روي عن الاِمام الجواد عليه السلام أنّه قال : « إنّ الدعاء الملحون لايصعد إلى الله عزَّ وجلّ » (65)أي لا يصعد ملحوناً ، لاَنّ اللحن المزري قد يحط من قيمة الدعاء بل ويغير معناه ، لكن الله تعالى لا يجازي عليه جرياً على لحنه المغيّر للمعنى ، بل يجازي على قدر قصد الاِنسان من دعائه ومراده ونيته .

ويؤيد ذلك ما روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنّ الرجل الاَعجمي من أُمتي ليقرأ القرآن بعجمته ، فترفعه الملائكة على عربيته » (66) .

بقي أن نقول : إنّ الداعي إذا اختار الدعاء بالمأثور لا بدّ له أن يراعي الالتزام بلفظ الدعاء وبقواعد اللغة والاعراب بالشكل الذي يليق بشأن صاحب الدعاء .



الدعاء بالمأثور:



حصيلة ما تقدم أن الدعاء بالمأثور يجنّب الاِنسان من الوقوع باللحن ، فهو أولى من غيره ، وأفصح ممّا يؤلفه الاِنسان ، فقد روي عن عبدالرحيم القصير ، أنّه قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام ، فقلت : جعلت فداك ، إني اخترعت دعاءً . فقال عليه السلام : « دعني من اختراعك... » (67)



وعلّمه دعاءً ؛ ذلك لاَنّ الدعاء بالمأثور يجنّب الداعي الوقوع باللحن والخطأ ، خصوصاً إذا كان من أدعية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعترته المعصومين عليهم السلام معدن النبوة وأعلام الهدى وأهل البلاغة والفصاحة ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « وإنّا لاُمراء الكلام ، وفينا تنشّبت عروقه ، وعلينا تهدّلت غصونه »(68) .

ويفضل اختيار الاَدعية التي هي مظنة الاجابة ، أو التي خُصّت بالفضل الكبير في قضاء الحاجات وغفران الذنوب ، وهي كثيرة في تراث أهل البيت عليهم السلام (69).

قال طاووس : إنّي لفي الحجر ليلة ، إذ دخل علي بن الحسين عليه السلام ، فقلت : رجل صالح من أهل بيت صالح ، لاَسمعن دعاءه ، فسمعته يقول في أثناء دعائه : « عبدك بفنائك ، سائلك بفنائك ، مسكينك بفنائك » فما دعوت بهنّ في كربٍ إلاّ وفرّج عني (70).

ويفضّل أيضاً اختيار الاَدعية التي تشتمل على اسم الله الاَعظم لما فيها من الكرامة والقربى واستجابة الدعاء (71).

وعلى الداعي أن يلتزم بلفظ الدعاء الوارد عن المعصوم دون تحريف أو زيادة أو نقصان ، فقد روي عن إسماعيل بن الفضيل أنّه قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله تعالى : ( وسبّح بِحمدِ ربِّكَ قبلَ طُلُوعِ الشَّمسِ وقبلَ غُروبها ) (72) .

فقال عليه السلام : « فريضة على كلِّ مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرات وقبل غروبها عشر مرات : لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهي حيٌّ لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير » .

قال : فقلت : لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت ، ويميت ويحيي.. فقال عليه السلام : « يا هذا ، لا شكّ في أن الله يحيي ويميت ، ويميت ويحيي ، ولكن قُل كما أقول » (73).

وعلى الداعي أن يختار من الاَدعية المأثورة ما يناسب حاله وحاجته ، فبعض الاَدعية تناسب حالة الخوف ، وبعضها حالة الرجاء ، وبعضها للبلاء ، وبعضها للرخاء ، إلى غير ذلك من الاَحوال المختلفة التي ترد على الاِنسان ، فعليه أن يقرأ في كلِّ حالة ما يناسبها من الاَدعية المأثورة مترسّلاً وكأنّها من إنشائه ، ويدعو بلسان الذلّة والخشوع لا بلسان التشدّق والاستعلاء مع التدبّر في معانيها والتضرُّع فيها .



6ـ اجتماع المؤمنين للدعاء:

ومن الاَسباب المؤدية لاستجابة الدعاء اجتماع المؤمنين بين يدي ربهم في دعائهم وتضرُّعهم إليه ، فما اجتمع المؤمنون في موطنٍ لله فيه رضاً إلاّ لبّى نداءهم ، وأنزل رحمته عليهم ، وشملهم بمغفرته ورضوانه .

روي أنّ الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام : « يا عيسى ، تقرّب إلى المؤمنين ، ومُرهم أن يدعوني معك » (74).

وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « ما من رهطٍ أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا الله عزَّ وجلَّ في أمرٍ إلاّ استجاب الله لهم ، فإنّ لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون الله عزَّ وجلّ عشر مرات إلاّ استجاب الله لهم ، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو الله أربعين مرة، فيستجيب الله العزيز الجبار له » (75).

وقال عليه السلام : « ما اجتمع أربعة رهط قطّ على أمرٍ واحدٍ ، فدعو الله عزَّ وجلّ ، إلاّ تفرقوا عن إجابة » (76).

7 ـ التأمين على الدعاء :

وهو من الاَسباب المؤدية لاستجابة الدعاء ، وفيه فضل كبير وثواب جزيل للمؤمن والداعي على السواء ، ويستحب أن يكون في حال اجتماع المؤمنين للدعاء .

قال الاِمام الصادق عليه السلام : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : دعا موسى ، وأمّن هارون ، وأمّنت الملائكة ، فقال الله تبارك وتعالى : ( قد أُجيبت دعوتكما) » (77).

وقال عليه السلام : « الداعي والمؤمّن في الاَجر شريكان » (78).

وروي أن الاِمام الصادق عليه السلام كان إذا حزَبه أمرٌ (79)جمع النساء والصبيان، ثمّ دعا فأمّنوا (80).

8 ـ قراءة القرآن :

روي عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : «إذا خفت أمراً ، فاقرأ مائة آية من القرآن من حيث شئت ، ثم قُل : اللهمّ اكشف عني البلاء ، ثلاث مرات» (81).



أسباب تأخرالإجابة:

قد يقال : إنّنا نرى كثيراً من الناس يدعون الله تعالى فلا يستجاب لهم ، وقد ورد في الحديث أيضاً ما يدلُّ على تأخر الاجابة لعشرين أو أربعين عاماً .

فعن إسحاق بن عمار ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : يستجاب للرجل الدعاء ثم يؤخر ؟

قال : «نعم ، عشرين سنة » (82).

وعنه عليه السلام : «كان بين قول الله عزَّ وجلّ : ( قد أجيبت دَعوَتُكما ) (83) فرعون أربعين عاماً » (84).

فهل يتنافى ذلك مع ما جاء في محكم الكتاب الكريم: (أجيبت دعوة الدَّاعِ إذا دعانِ ) (85) وقوله سبحانه: ( ادعوني أستجِب لكُم )(86) ، وما جاء على لسان الصادق الاَمين صلى الله عليه وآله وسلم : «ما فُتح لاَحد باب دعاء ، إلاّ فتح الله له فيه باب إجابته » (87)؟

نقول : إنّ الدعاء من أقوى الاَسباب في تحقيق المطلوب ودفع المكروه ، ولكنّه قد يكون ضعيفاً في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لكونه مخالفاً لسنن التكوين والتشريع ، أو لاَن الداعي لم يراع شروط الدعاء ولم يتقيد بآدابه ، أو لوجود الموانع التي تحجب الدعاء عن الصعود : كأكل الحرام ، ورين الذنوب على القلوب ، واستيلاء الشهوة والهوى وحبّ الدنيا على النفس .

فإذا قيل بعدم الاخلال في جميع ذلك ، فيمكن حصر الاَسباب المؤدية إلى تأخر الاجابة بما يلي :

وفي زبور داود عليه السلام : يقول الله تعالى : «يا بن آدم ، تسألني فأمنعك ، لعلمي بما ينفعك » (89).

وعليه فإنّ اجابة الدعاء إن كانت مصلحة والمصلحة في تعجيلها ، فإنّه تعالى يعجّلها ، وان اقتضت المصلحة تأخيرها إلى وقت معين أُجّلت ، ويحصل للداعي الاَجر والثواب لصبره في هذه المدة . وإذا لم يترتب على الاجابة غير الشر والفساد ، فإنّه تعالى لا يستجيب الدعاء لسبق رحمته وجزيل نعمته ، ولاَنّه تعالى لا يفعل خلاف مقتضى الحكمة والمصلحة : ( ولا يعجل اللهُ للناسِ الشرَّ استعجالهُم بالخيرِ لقُضيَ إليهم أجَلُهُم) (90)



وفي هذه الحالة يثاب المؤمن على دعائه إما عاجلاً بدفع السوء عنه ، وإعطائه السكينة في نفسه ، والانشراح في صدره ، والصبر الذي يسهل معه احتمال البلاء الحاضر ، أو آجلاً في الآخرة كما يثاب على سائر الطاعات والصالحات من أعماله ، وذلك أعظم درجة عند الله تعالى ، لاَنّ عطاء الآخرة دائم لا نفاد له ، وعطاء الدنيا منقطع إلى نفاد .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ما من مؤمن دعا الله سبحانه دعوة ، ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم ، إلاّ أعطاه الله بها أحد خصال ثلاث : إمّا أن يعجّل دعوته ، وإمّا أن يدّخر له ، وإمّا أن يدفع عنه من السوء مثلها . قالوا : يارسول الله ، إذن نكثر ؟ قال :اكثروا » (91).

وعن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه قال : «والله ما أخّر الله عزَّ وجلّ عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم ممّا عجّل لهم فيها ، وأي شيءٍ الدنيا ! » (92).

وورد في دعاء الافتتاح : «وأسألك مستأنساً لا خائفاً ولا وجلاً مدلاً عليك فيما قصدت فيه إليك ، فإن أبطأ عنّي عتبتُ بجهلي عليك ، ولعلَّ الذي أبطأ عني هو خيرٌ لي لعلمك بعاقبة الاُمور » (93).

وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «إنّ المؤمن ليدعو الله عزَّ وجلّ في حاجته ، فيقول الله عزَّ وجلّ : أخّروا إجابته شوقاً إلى صوته ودعائه ، فإذا كان يوم القيامة قال الله عزَّ وجلّ : عبدي ، دعوتني فأخرت اجابتك ، وثوابك كذا وكذا ، ودعوتني في كذا وكذا فأخرت اجابتك وثوابك كذا وكذا ، قال : فيتمنّى المؤمن أنّه لم يستجب له دعوة في الدنيا ممّا يرى من حسن الثواب » (95).

وقال الاِمام الرضا عليه السلام : «إنّ الله يؤخّر إجابة المؤمن شوقاً إلى دعائه، ويقول : صوت أحبّ أن أسمعه... » (96).

وممّا تقدّم يتبين أنّ الدعاء مستجاب إذا أخلص الداعي في إتيان أدبه وشرطه ، وتوجّه بقلبه إلى الله تعالى منقطعاً عن جميع الاَسباب ، والاستجابة إما عاجلة في دار الدنيا ، أو آجلة في الآخرة ، وإذا تأخرت الاستجابة فلمصالح لا يعلمها إلاّ عالم السرّ وأخفى ، وتأخيرها يصبُّ في صالح الداعي ، فعليه أن لا يقنط من رحمة ربه ، ولا يستبطىء الاجابة فيملُّ الدعاء .



1 ـ إنّ الداعي قد يرى في دعائه صلاحاً ظاهراً ، فيلحُّ بالدعاء والمسألة ، ولكن لو استجيب له ، فإنّ الاستجابة قد تنطوي على مفسدة له أو لغيره لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، قال تعالى: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكُم وعسى أن تُحبُّوا شيئاً وهو شرٌ لَّكُم واللهُ يعلمُ وأنتُم لا تعلمُون) (88) .



2 ـ وقد تؤخر الاجابة عن العبد المؤمن لزيادة صلاحه وعظم منزلته عند الله عزَّ وجلّ ، فتؤخر إجابته لمحبّة سماع صوته والاكثار من دعائه ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ الله ليتعهد عبده المؤمن بأنواع البلاء ، كما يتعهد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام ، قال الله تعالى : «وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي إنّي لاَحمي وليي أن أعطيه في دار الدنيا شيئاً يشغله عن ذكري حتى يدعوني فأسمع صوته ، وإني لاَعطي الكافر منيته حتى لا يدعوني فأسمع صوته بغضاً له» (94).

دعوات مستجابة :

فيما يلي بعض الدعوات التي أكدت النصوص الاِسلامية على استجابتها وتأثيرها في استجابة الدعاء :

أولاً : الدعاء للمؤمنين :

ويعتبر من أهم مطالب الدعاء ، وذلك لاَنّه يعكس إيثار المؤمن وإخلاصه وعمق ارتباطه باخوته المؤمنين على امتداد الزمان والمكان ، وهو على نوعين :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ما من مؤمن أو مؤمنة مضى من أول الدهر أو هو آت إلى يوم القيامة إلاّ وهم شفعاء لمن يقول في دعائه : اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، وإنّ العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيسحب، فيقول المؤمنون والمؤمنات : يا ربنا ، هذا الذين كان يدعو لنا فشفّعنا فيه ، فيشفّعهم الله فينجو » (97).

وقال الاِمام الصادق عليه السلام : «من قال كل يوم خمساً وعشرين مرة : اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، كتب الله له بعدد كل مؤمن مضى ، وبعدد كل مؤمن بقي إلى يوم القيامة حسنة ، ومحا عنه سيئة ، ورفع له درجة » (98).

وقال الاِمام الرضا عليه السلام : «ما من مؤمن يدعو للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاَحياء منهم والاَموات إلاّ كتب الله له بكلِّ مؤمن ومؤمنة حسنة منذ بعث الله آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة » (99).

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ليس شيء أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب » (100).

وروي عن الاِمام أبي جعفر الباقر عليه السلام ، في قوله تعالى : (ويسيتجيبُ الذين آمنُوا وعمِلُوا الصَّالحاتِ ويزيدُهُم من فَضلِه) (101) ، قال عليه السلام : «هو المؤمن يدعو لاَخيه بظهر الغيب ، فيقول له الملك : آمين ، ويقول الله العزيز الجبار: ولك مثلا ماسألت، وقد أعطيت ماسألت بحبّك إياه »(102) .

وعنه عليه السلام قال : «أوشك دعوة وأسرع إجابة ، دعاء المرء لاَخيه بظهر الغيب » (103) .

وعن الاِمام الصادق عليه السلام قال : «الدعاء لاَخيك بظهر الغيب يسوق إلى الداعي الرزق ، ويصرف عنه البلاء ، ويقول الملك : ولك مثل ذلك » (104).

وروي أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام : «يا موسى ، ادعني على لسانٍ لم تعصني به . فقال عليه السلام : أنّى لي بذلك ؟ فقال : ادعني على لسان غيرك » (105) .

ويدخل في إطار الدعاء الخاص الدعاء لاَربعين من المؤمنين قبل أن يدعو المؤمن لنفسه ، وهو من الاَدعية المستجابة أيضاً .

قال الاِمام الصادق عليه السلام : «من قدم في دعائه أربعين من المؤمنين ، ثم دعا لنفسه ، استجيب له » (106).

وقال عليه السلام : «من قدّم أربعين رجلاً من إخوانه قبل أن يدعو لنفسه استجيب له فيهم وفي نفسه » (107).

ويتأكد هذا الدعاء بعد الفراغ من صلاة الليل بأن يقول وهو ساجد : (اللهمّ ربّ الفجر ، والليالي العشر ، والشفع والوتر ، والليل إذا يسر ، وربّ كلِّ شيء ، وإله كلّ شيء ، ومليك كلّ شيء ، صلِّ على محمد وآله ، وافعل بي وبفلان وبفلان... ما أنت أهله ، ولا تفعل بنا ما نحن أهله ، ياأهل التقوى وأهل المغفرة) (108).

إيثار المؤمنين بالدعاء :

عن الاِمام الحسن بن علي عليه السلام ، قال : «رأيت أُمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها ، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتّضح عموم الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم ، وتكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا أُمّاه ، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت : يا بني ، الجار ثمّ الدار » (109).

وروي عن ابن ناتانه ، عن علي ، عن أبيه ، قال : رأيت عبدالله بن جندب بالموقف ، فلم أرَ موقفاً أحسن من موقفه ، ما زال ماداً يديه إلى السماء ، ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الاَرض ، فلمّا صدر الناس قلت له : يا أبا محمد ، ما رأيت موقفاً أحسن من موقفك .

قال : والله ما دعوت إلاّ لاخواني ، وذلك أن أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام أخبرني أنّه من دعا لاَخيه بظهر الغيب نودي من العرش : ولك مائة ألف ضعف ، فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا (110).

وعن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، قال : كان عيسى بن أعين إذا حجّ فصار إلى الموقف ، أقبل على الدعاء لاخوانه حتى يفيض الناس ، فقيل له : تنفق مالك وتتعب بدنك حتى إذا صرت إلى الموضع الذي تُبَثّ فيه الحوائج إلى الله ، أقبلت على الدعاء لاخوانك ، وتترك نفسك ؟ فقال : إنّي على يقين من دعاء الملك لي ، وفي شكّ من الدعاء لنفسي (111).

ثانياً : ومن الدعوات التي أكدت النصوص الاِسلامية على استجابتها :



1 ـ دعاء الوالد الصالح لولده إذا برّه ، ودعاؤه عليه إذا عقّه .

2 ـ دعاء الولد الصالح لوالده .

3 ـ دعاء المظلوم الذي لا يجد ناصراً إلاّ الله على من ظلمه ، ودعاؤه لمن انتصر له .

4 ـ دعاء الاِمام العادل لرعيته .

5 ـ دعاء المريض لعائده .

6 ـ دعاء الغازي في سبيل الله .

7 ـ دعاء الحاج أو المعتمر حتى يرجع .

8 ـ دعاء الصائم حتى يفطر .

9 ـ دعاء الاطفال ما لم يقارفوا الذنوب .

وفيما يلي نورد النصوص الدالة على استجابة هذه الدعوات :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أربعة لا تُرَدَ لهم دعوة حتى تفتح لهم أبواب السماء أو تصير إلى العرش : الوالد لولده ، والمظلوم على من ظلمه ، والمعتمر حتى يرجع ، والصائم حتى يفطر » (112).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «إياكم ودعوة المظلوم ، فإنّها ترفع فوق السحاب حتى ينظر الله عزَّ وجلّ إليها فيقول : ارفعوها حتى استجيب له ، وإياكم ودعوة الوالد فإنّها أحدّ من السيف » (113) .

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «دعاء أطفال أُمتي مستجاب مالم يقارفوا الذنوب»(114).

وقال الاِمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : «خمس دعوات لا يحجبن عن الربّ تبارك وتعالى : دعوة الاِمام المقسط ، ودعوة المظلوم ، يقول الله عزَّ وجلّ : لا نتقمنّ لك ولو بعد حين ، ودعوة الولد الصالح لوالديه ، ودعوة الوالد الصالح لولده ، ودعوة المؤمن لاَخيه بظهر الغيب ، فيقول : ولك مثله » (115).

وقال عليه السلام : «اتقوا الظلم، فإنّ دعوة المظلوم تصعد إلى السماء »(116).

وقال عليه السلام : «ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله : دعاء الوالد لولده إذا برّه ، ودعوته عليه إذا عقّه ، ودعاء المظلوم على من ظلمه ، ودعاؤه لمن انتصر له منه » (117) .

وقال عليه السلام : «ثلاثة دعوتهم مستجابة : الحاج فانظروا كيف تخلفونه، والغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه ، والمريض فلا تغيظوه ولا تضجروه » (118).



دعوات لا تستجاب:

من الدعوات التي أكدت النصوص الاِسلامية على أنّها لا تستجاب :

1 ـ الداعي الذي يطلب تغيير حالة ناتجة عن ارتكابه إثماً ، أو تقصيراً في واجب .



ومثل هذا الداعي لا يمكن أن يترتّب أثر على دعائه حتى يتوب مما ارتكب أو يزيل أسباب حصول تلك الحالة وعللها .

مثال ذلك المظلوم الذي يدعو لازالة مظلمته وهو متحمّل لمظالم العباد وتبعات المخلوقين ، فهذا هو الذي يدعو لتغيير الحالة الناتجة عن ارتكابه إثماً .

قال الاِمام الصادق عليه السلام : «قال الله عزَّ وجلّ : وعزتي وجلالي لا أُجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها ، ولاَحد عنده مثل تلك المظلمة » (119).

وعنه عليه السلام أنّه قال : «إذا ظُلِمَ الرجل فظلّ يدعو على صاحبه ، قال الله عزَّ وجلّ : إنّ هاهنا آخر يدعو عليك ، يزعم أنك ظلمته ، فإن شئت أجبتك ، وأجبت عليك ، وإن شئت أخّرتكما فيوسعكما عفوي » (120).

ومثال طلب تغيير الحالة الناتجة عن التقصير في واجب ، التواكل في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ذلك لاَنّهما واجبان وجوباً كفائياً لقوله تعالى : (ولتكن أُمّةٌ يدعُونَ إلى الخيرِ ويأمرُونَ بالمعروفِ ويَنهونَ عنِ المنكَر) (121) وإنّ صلاح المجتمع وفساده منوطان بالقيام بهذين الفرضين أو عدمه ، فلو تواكل العباد فيهما وتركوهما ، فستُتاح الفرصة للاَشرار والظلمة كي يتسلّطوا على مقدّرات الناس ، وينزوا على مقاليد الحكم ، وعليه فقد تجد أُمّة كاملة تدعو على ظالم واحد فلا يستجاب لها، إلاّ أن يتوبوا عما بدر منهم ويطيعوا الله فيما فرضه عليهم (إنّ اللهَ لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يُغيَرُوا ما بأنفُسِهِم) (122) .

قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تتركوا الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم » (123).

وقال الاِمام الصادق عليه السلام : «من عذر ظالماً بظلمه ، سلّط الله عليه من يظلمه ، وإن دعا لم يستجب له ، ولم يأجره الله على ظلامته » (124).



2ـ الدعاء على خلاف سنن التكوين والتشريع:



على الداعي أن يفهم سنن الله تعالى التكوينية والتشريعية ، وأن يدعو ضمن دائرة هذه السنن ، فليس من مهمة الدعاء أن يتجاوز هذه السنن التي تمثّل إرادة الخالق التكوينية ورحمته ولطفه ، قال تعالى : (فهل ينظرون إلاّ سُنَّةَ الاَولينَ فلن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تبدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تحويلا) (125) .

روى الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : «أن زيد بن صوحان قال لاَمر المؤمنين عليه السلام : أي دعوة أضلّ ؟ قال عليه السلام : الداعي بما لا يكون» (126) أي لا يقع ضمن دائرة سنن التكوين .

إنّ الدعاء طلب المقدرة والعون للوصول إلى أهداف مشروعة أقرّتها الخليقة والتكوين أو الشرائع الالهية للاِنسان ، وهو بهذه الصورة حاجة طبيعية لا يبخل الباري تعالى بلطفه ورحمته على الداعي بالعون حيثما وجدت الحاجة لذلك ، وحيثما كان الداعي مراعياً للشروط والآداب ، أما أن يطلب أشياء تخالف أهداف التكوين والتشريع فان دعاءه لا يستجاب كمن يسأل الله تعالى إحياء الموتى ، أو الخلود في دار الدنيا ، أو غفران ذنوب الكفار ، أو يدعو على أخيه المؤمن ، أو في قطيعة رحم ، أو يطلب شيئاً محرماً ، وغير ذلك من الدعوات التي لا تكون مصداقاً حقيقياً للدعاء.

قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : «يا صاحب الدعاء ، لا تسأل ما لا يحلُّ ولا يكون » (127) وما لا يحلّ يُعدّ خروجاً عن سنن التشريع الاِلهية ، وما لا يكون يعد خروجاً عن سنن التكوين .



وقال عليه السلام : «من سأل فوق قدره استحق الحرمان » (128)أي إذا تجاوز الحدّ في دعائه بحيث لا يكون طلبه واقعياً ، كأن يسأل الخلود في دار الدنيا .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ أصنافاً من أُمتي لا يستجاب لهم... ورجل يدعو في قطيعة رحم » (129). ذلك لاَنّ هذا الدعاء على خلاف سنن التشريع القاضية بصلة الرحم .

وروي عن شعيب ، عن الاِمام الصادق عليه السلام ـ في حديث ـ أنّه قال له : أدعُ الله أن يغنيني عن خلقه . فقال عليه السلام : «إنّ الله قسّم رزق من شاء على يدي من شاء ، ولكن سَلِ الله أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرك إلى لئام خلقه » (130).

وذلك لاَنّ حاجة الناس بعضهم إلى بعض في أمور دينهم ودنياهم من سنن الله تعالى في الخلق ، فلا يجوز أن يدعو الاِنسان ربّه كي يغنيه عن الناس ؛ لاَنّه دعاء على خلاف سُنّة الله تعالى وارادته الحكيمة .



ومن الاَدعية المخالفة لسنن التشريع ، دعاء المرء على نفسه في حالة الضجر، قال تعالى: (ويدع الانسانُ دعاءهُ بالخيرِ وكانَ الاِنسانُ عجولاً)(131).

قال ابن عباس وغيره : إنّ الاِنسان ربما يدعو في حال الضجر والغضب على نفسه وأهله وماله بما لا يحبّ أن يستجاب له فيه ، كما يدعو لنفسه بالخير ، فلو أجاب الله دعاءه لاَهلكه ، لكنه لا يجيب بفضله ورحمته (132).

ولا يتوقف الاَمر عند حدود الاَمثلة التي ذكرناها أو التي ذكرتها الروايات ، بل يشمل جميع الدعوات المخالفة لسنن الله تعالى في الكون والطبيعة والمجتمع والتاريخ .



3ـ الدعاء بلا عمل:

والحق أن الدعاء مكمّل للعمل ومتمم له ، فإذا كان الله تعالى قد حبانا القدرة لتحقيق المطلوب ، وهدانا إلى السبيل المؤدي إلى ما نصبو إليه ، فلا بدّ من السعي المقترن بالدعاء ، لتكون عاقبة السعي أكثر ثواباً وأجزل أجراً .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يدخل الجنة رجلان ، كانا يعملان عملاً واحداً ، فيرى أحدهما صاحبه فوقه ، فيقول : يا ربِّ بما أعطيته وكان عملنا واحداً ؟ فيقول الله تبارك وتعالى : سألني ولم تسألني ، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : اسألوا الله وأجزلوا ، فإنّه لا يتعاظمه شيء » (141).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق