ويذكر المؤلف أن القرويين شملوا أكثرية هامة بالنسبة لعدد سكان الأناضول الذي لم يكن آهلا بالسكان أيام الفتوحات السلجوقية الأولى ، فقد ساهمت الحرب البيزنطية / الفارسية ، والبيزنطية / الإسلامية في تدهور أعداد السكان ، وكذلك الأمر أيام الفتوحات السلجوقية ويرى المؤلف أن بعض العناصر الإسلامية من غير الترك ، وبعض العناصر المسيحية قد وفدت على الأناضول وأسست العديد من القرى ، لكن هؤلاء جميعا تتركوا بالتدريج وسط الأغلبية التركية وتحت الحكم التركي ، وكانت الحياة أكثر تطورا في القرى الواقعة على الطرق التجارية وفي أكناف العقبات ، وفي المناطق التي تزاول صناعات التعدين وكانت القرى تمثل في الغالب إما وحدة دينية وإما وحدة إثنوغرافية ، إذ ربما قطنت بطون معينة من قبائل معينة في بعض القرى، فتعرف هذه القرى باسمها الإثنوغرافي . ولم يمثل أهل القرية طائفة اجتماعية متجانسة ، فكانت كل طائفة تقوم بزراعة أراضيها بنفسها ، وطائفة أخرى تزرع أراضي غيرها مقابل أجر يومي ، وأخرى _ وهي الأكثر _ تستغل رؤوس أموالها في زراعة الأرض التي يملكها الغير لقاء اقتسام الربح مناصفة بالإضافة إلى ارستقراطية قروية قليلة العدد تملك قسما كبيرا من أراضي القرية . يزرع بعضها بتشغيل الفلاحين ، وبعضها بنظام المزارعة بالنصف . وكانت هذه الطبقة تمثل الطبقة الحاكمة في القرية ، وفي نفس الوقت كانت تمثل حائلا دون الاتصال المباشر بين أجهزة الدولة والشعب . وكان الرئيس أو الكخيا يمثل الدولة وسلطتها المالية بالقرية ، ومع أن المفروض أنه كان يعمل على رعاية المنافع العامة لأهل القرية ، فإنه في حقيقة الأمر كان يعمل شريكا لأرستقراطية القرى كما كان يجري إعفاء القرية أو مجموعة القرى من جميع (الضرائب) إذا قامت مقام الدولة في استغلال معدن أو حراسة طريق أو إصلاح أحد الجسور ، أو قامت بأداء عمل يقع في الأصل على عاتق الدولة .
ويذكر المؤلف أن الحياة في مدن الأناضول قد اضطربت لمدة طويلة نتيجة للفتوح السلجوقية . ومع هذا فلم تكن دولة سلاجقة الروم تدعم قواها العسكرية والسياسية في منتصف القرن الثاني عشر وتكون جهازا إداريا محكما حتى تطورت التجارة الداخلية والخارجية ، وساعد ذلك على انتعاش المدن.
وانتهج السلاجقة في القرن الثالث عشر سياسة تجارية فعالة ، من ذلك أنه أوقعوا بأرمينية الصغرى حين أخلت بأمن قوافل التجارة وأرغموها على دفع التعويضات عما ألحقت بالتجارة من أضرار . كما استولوا على ميناء انطاليا لأهميته التجارية الكبيرة . كذلك أقام سلاجقة الروم علاقات تجارية مع البنادقة الذين شغلوا المركز الأول في تجارة البحر المتوسط والبحر الأسود .
ويذكر المؤلف بأن الحركات المغولية وحكم الأيلخانية قد أديا إلى نتائج تجارية طيبة رغم القلاقل الاجتماعية التي أحدثتها ، ورغم الأضرار العسكرية . فاستمرت المراكز الواقعة على الطرق التجارية مثل قونية وقيصرية وسيواس وأرضروم في ازدهارها التجارية عصر الأيلخائين ، والدليل على ذلك ماذكرته المصادر المسيحية ككتابات ماركوبولو ووليم روبروك والمؤرخ الأرمني هايتون ، فضلا عن المصادر الإسلامية .
وأخذ الأتراك _ منذ الفتوحات الأولى _ في سكنى المدن البيزنطية التي استولوا عليها ، وبدؤوا في تنظيم العلاقات الداخلية ، وفي تركيز بعض الصناعات في المدن ، وهكذا تحول الاقتصاد القروي إلى اقتصاد مدني على نحو تدريجي . وأخذت المدن الأناضولية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر في التشكل كمراكز تجارية وصناعية كبيرة تعيش فيها عناصر إثنوغرافية شتى ، ونحل وطبقات اجتماعية مختلفة وأرباب مهن كثيرة ، مثلها بغداد وحلب وغيرها من المدن الإسلامية .
ويلحظ المؤلف أنه منذ القرن الثالث عشر ، كانت المدن القديمة مثل قونية وقيصرية وسيواس تشتمل على السكان الترك المسلمين الذين يشكلون أغلبية ، بالإضافة إلى الروم والأرمن والقليل من اليهود . وكانت نسبة العناصر الأخرى تتغير بطبيعة الحال من مدينة إلى أخرى .
وكان أصحاب كل دين يقيمون في مكان مستقل ، وقامت حياة المدينة بتقريب الفجوات بين المسلمين وغير المسلمين على الصعيد الثقافي ، فعندما مات جلال الدين الرومي اشترك نصارى ويهود قونية مع المسلمين في جنازته ، وكانت العادات والمقدسات المحلية التي ترجع إلى ما قبل المسيحية منتشرة بين سكان المنطقة المسيحيين والمسلمين .
ويفيض المؤلف في الحديث عن الحياة الداخلية في المراكز التجارية والصناعية ذات الأغلبية التركية مثل سيواس ، متناولا التشكيلات المحلية والطوائف الاجتماعية التي تولدت عن طبقة مهنية متقدمة ، فنتحدث عن طبقات أهل المدن من المدنيين والعسكريين ، كذلك عن العلماء والمدرسين والوعاظ وشيوخ الطرق والسادات والشعراء والأطباء والنقاشين والموسيقيين ، وغيرهم من رجال الدولة الذين يتقاضون أموالا من الخزانة العامة .
كذلك يشير المؤلف إلى الكثير من المستشفيات ومطاعم الفقراء والتكايا والمدارس والكتاتيب التي جرى تأسيسها بفضل أوقاف السلاجقة ، ورجال الدولة ، وأثرياء التجار ، وساهم كل هذا في تقديم المدن في الأناضول في القرن الثالث عشر فضلا عن وجود طائفة أرباب الحرف ، التي اعتمدت على طبقة التجار التي قامت بتنظيم النشاط الصناعي ، كما قامت بتدبير أمر القوافل الداخلية والخارجية منها ، وقامت بتوريد حاجات المدينة من الأسواق الداخلية والخارجية ، ولم تكن هذه الطبقة تقوم بتشغيل أموالها في التجارة فقط ، بل كانت تقوم بتشغيل أموال العائلات الأرستقراطية ، وأموال البيروقراطية وأحيانا الأموال البسيطة التي تملكها الطبقة المتوسطة .
ويستمر المؤلف في رصده للأحوال الاقتصادية بالأناضول فيذكر أن الأسواق المحلية كانت تقام داخل المدن أو خارجها ، والأسواق الجامعة التي توفر تبادلا تجاريا أكبر تخضع لحماية الدولة ورقابتها ، وكانت الدولة تحصل ضريبة خاصة على ما يتم بداخلها من المعاملات ، كما كانت تقوم بتجهيز قوة عسكرية لا يستهان بها لحماية الأسواق الكبيرة من غارات العدو . وفي عهد الايلخانيين كانت الضرائب التي تحصل من المدن تسمى (تمغه) ، وبقى هذا المصطلح وبقي نظام الضرائب الأيلخاني مدة طويلة في بعض نواحي الأناضول . كانت لأرباب كل حرفة في المدن الكبيرة سوق خاصة بهم ، مسقوفة أو مكشوفة يزاولون منها العمل في دكاكينهم . وكان كبار التجار وأصحاب الدكاكين من باعة البضائع الثمينة يقيمون في الأسواق المغلقة ، أو ما جاورها من الخانات الكبيرة الآمنة . وفي المدن تجمع أصحاب كل حرفة في طائفة مستقلة وكانت هذه الطوائف ذات التسلسل الرياسي الدقيق تنظر في كل ما يتعلق بالصنعة من مشكلات وتحل ما يقع بين أفرادها من خلاف وتنظم العلاقة بين جهاز الدولة وأرباب الحرف ، وكان من اختصاصها أيضا تقدير الأجور وتعيين مواصفات البضاعة وتحديد ثمنها . وكانت الدولة تراقب هذه الطوائف وتساعدها إذا اقتضى الأمر ، أي أنها كانت تعترف بها كهيئات قانونية ، وتمنحها بعض العقود والامتيازات . واكتسب بعض أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة أهمية خاصة لدى السلاطين ، وكان منهم من يوفد في مهمات دبلوماسية أو استخبارية .
ويشدد المؤلف على أن العامل الأخلاقي هو الذي وقف حائلا بين العمال والثورة على أصحاب رأس المال ، فقد كان مذهبهم الأخلاقي يقوم على الأسس الدينية / الصوفية من ناحية ، وعلى تقاليد البطولة من ناحية أخرى ، ويجعل العلاقة بين العالم ورب العمل كعلاقة المريد بالشيخ ، ويذكر أن هذه الجماعات المعروفة بجماعات الفتوة كانت قد انتشرت في كل البلاد الإسلامية الشرقية ، وكان تشكيه القوي في الأناضول يعرف أعضاؤه بعبارة (أخلير) ، أي الإخوة .
ولم يقتصر وجود هذه التشكيلات على المدن وحدها ، بل وجدت في القرى ومناطق الحدود ، وكان المنتسبون إليها ينتمون إلى طبقات اجتماعية مختلفة فمنهم رجالات الدولة و أغنياء التجار ، والمشايخ والعلماء وأرباب الحرب ، وكذلك "الحرافيش" ومن لا عمل لهم . كذلك أخذ الصناع في المدن في الانضمام إلى صفوف هذه الجماعات تدريجيا ، لكن معظم المنتسبين إليها في المدن الكبرى كانوا من صغار السن وصبيان أرباب الحرف . ولقد أكدت هذه التشكيلات وجودها في النصف الثاني من القرن الثالث عشر في الفترات التي اختل فيها سلطان الدولة ولعبت دورا هاما في حياة المدن ، وصار يحسب حسابها دائما .
ويخلص المؤلف إلى أن مجتمع أتراك الأناضول في القرن الثالث عشر الميلادي كان من أرقى المجتمعات في العصور الوسطى المتأخرة من ناحية توزيع العمل ، والتطور الاقتصادي . وكانت دولة سلاجقة الروم دولة مركزية النظام ذات نظم محكمة تستمد أصولها من التقاليد الإدارية والسياسية التي سادت في دول السلاجقة الكبار . وكان أناضول السلاجقة متقدما إلى حد ما من الناحية الثقافية ، فانتشرت الكتاتيب بجوار المساجد لتعليم الأطفال القراءة والكتابة وانتشرت المدارس في كل مكان ، وازدهر النشاط الفكري خاصة بعد أن استوطن بالأناضول كثير من العلماء والمتصوفة والشعراء الذين هاجروا من الشرق أمام الزحف المغولي ، وبفضلهم اكتسبت مدارس السلاجقة شهرتها الواسعة .
ويعالج القسم الأخير من الكتاب الحياة على الحدود وتأسيس الإمبراطورية العثمانية ، لكنه يتناول أولا أصل قبيلة عثمان ، فيذكر أن العنصر الذي أنجب أسرة عثمان هو عنصر "غزي" أي تركماني لا يفرق في ذلك عن أغلبية الترك الذين وفدوا مع السلاجقة . ويقبل المؤلف الرأي القائل بأن انتماء العثمانيين كان لقبيلة "قايي" ، التي هاجرت من الشرق إلى الغرب ، وتوطن قسم في أذربيجان وجنوب قفقاسيا ، أما القسم الذي ورد إلى الأناضول فقد تقسم وتفرق في أماكن مختلفة ، فما زال عدد من القرى المتباعدة في الأناضول يحمل اسم قايي.
ويبتعد المؤلف عن التفسيرات الأسطورية الأخرى ، فيقرر انه في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي كان أرطغرل ثم عثمان من بعده رئيسيين لعشيرة صغيرة من عشائر الحدود تنتمي إلى قبيلة قايي ، وكانت هذه العشيرة تخضع نظريا لا عمليا لسلاجقة قونية ثم للآيلخانين ، وكان موطنهم هو منطقة (أسكي شهر الواقعة شمال غرب أفروجيا) على الحدود التركية البيزنطية .
ويتناول الكتاب الحياة على الحدود ، فيذكر التشكيلات العسكرية والإدارية التي أقامها سلاجقة الأناضول على الحدود الشرقية والغربية ، وهي تشكيلات الأوج . وكانت أكبر الأوجاقات السلجوقية تقع غرب الأناضول على حدود إمبراطورية نيقية ، وهكذا كان تركمان الأوج يغيرون لحسابهم الخاص على الأراضي البيزنطية ، ويعودون منها بالغنائم والأسلاب وآلاف الأسرى ، وكثيرا ما تسببوا في الصدام بين بيزنطية والسلاجقة بسبب سياستهم التي خرجت عن سيطرة السلطة المركزية للسلاجقة وصنعت هذه العشائر التركمانية المقاتلة الكثير بجيش فريدريك بارباروسا (الجيش الألماني في الحملة الصليبية الثالثة) ، وهو ما لم تصنعه الجيوش السلجوقية النظامية .
ومع أن إمبراطورية نيقية كانت على وئام مع سلطنة قونية ، فقد غيرت خططها الدفاعية من أجل صد غارات عشائر التركمان ، بواسطة إيجاد فيالق عسكرية للدفاع عن الحدود كانت تسمى Akritai ، أو "الخرائطية" كما جاء في المصادر الإسلامية ، ومع نقل العاصمة إلى القسطنطينية بعد نجاح ميخائيل الثامن باليولوغس في استعادتها من اللاتين 1262 ، ساهم ذلك في إهمال وسائل الدفاع لمدة طويلة ، كما أن الإمبراطور صادر قسما كبيرا من الأراضي التي كان ريعها وقفا على الخرائط ، مما أدى إلى إعلاء العصيان ، ويبدو أن قسما منهم انضم إلى العشائر التركمانية في الجهة المقابلة . وهكذا مكن ضعف الدفاع عن الحدود البيزنطية حكام الحدود من التركمان _ خاصة بعد أن فقدت نيقية صفتها كعاصمة _ من أن يقوموا بتوسيع أراضيهم بالتدريج نحو الغرب ، كما ساعد أيضا على تكوين التشكيلات السياسية الجديدة على الحدود البيزنطية وبخاصة حين ضعف الحكم السلجوقي تخت وطأة المغول .
وعندما اضطربت أحوال بيزنطة نتيجة لعجز الإمبراطورية عن الدفاع عن رعاياها في الشرق ، مع إثقالهم بالضرائب ، أثر بعضهم الدخول في طاعة أمراء الحدود من التركمان لقاء جزية خفيفة ، وأخذت الإمارات التركية الحدودية تتحول بالتدريج من عشائر تحيا على السلب إلى تشكيلات سياسية منظمة تتكفل بمصالح رعاياها .
كما يشير المؤلف عند الحديث عن العناصر الأثنوغرافية والدينية في الأناضول خلال نفس الفترة إلى وجود العديد من العلماء الذين درسوا في العواصم الإسلامية وفي إيران ومصر والقرم ، ومعهم طائفة من أعضاء البيروقراطية السلجوقية والأيلخانية المهاجرة من وسط الأناضول ووضعوا معل _ وبالتدريج _ أساس الجهاز الإداري في إمارات المؤسسات الثقافية . وهكذا تطورت الحياة في مدن وقرى الحدود وزادت كثافتها السكانية .
ولما كانت مناطق الحدود هذه تقع في أقصى "دار السلام" من الناحية الغربية ، وكان الصراع فيها مصطبغا إلى حد ما بالصبغة الدينية ، وله طابع "الجهاد المقدس" ، فقد وفدت على هذه المناطق جماعات مختلفة من الناس يتزينون بزي الدراويش الرحالة (ظاهرهم طلب الجهاد ، وحقيقتهم طلب العيش) .
وعلى الرغم من الدعاية التي كانت تزاولها المدارس الدينية والطرق المستقرة في المدن ، فلم تقع بين المسلمين والنصارى الذين يعيشون تحت حكم واحد في مناطق الحدود أية خصومة ترجع إلى سبب ديني ، وهو ما يؤكد انعدام العداء الديني بين المسلمين والنصارى في الأناضول طوال العصور الوسطى المتأخرة ، وبخاصة فترة الأتراك السلاجقة .
ويتناول المؤلف مسألة الدخول في الإسلام ، فيذكر أن انتشار الإسلام في نصارى شرق الأناضول ووسطه لم يبلغ شأنا كبيرا في العهدين السلجوقي والايلخاني ، معتمدا على ما يرويه الأقسراي من أن الجزية التي كانت تجبى من أتراك الأناضول في القرن الثالث عشر قد كونت قسما هاما من الإيرادات العامة . كما يقرر أن الدخول في الإسلام بالأناضول في العهد العثماني قد حدث بالتدريج منذ القرن الرابع عشر ، وأن نسبته لم ترتفع إلا بعد أن رسخت الدولة العثمانية أقدامها في البلقان في القرن الخامس عشر ، ويؤكد أن الدولة العثمانية جرى تأسيسها في القرن الرابع عشر بعناصر تركية خالصة ، فلما آل أمرها بعد النصف الثاني من القرن الخامس عشر إلى أن تصبح إمبراطورية كبيرة تسيطر على عناصر مختلفة ، دخلت في الجهاز الإداري _ كما حدث في الامبراطوريتيين البيزنطية والعباسية . ( عناصر متعثمنة Ottamanises ) ، وإذا كان انتماء قسم كبير من أباطرة بيزنطية إلى عناصر أجنبية لم يتخذ دليلا على عجز العنصر البيزنطي عن إدارة دولاب الإدارة ، فلا يمكن أن يكون موقف الإمبراطورية العثمانية وهو مماثل لموقف الإمبراطورية البيزنطية دليلا على عجز الترك .
ويعرض المؤلف للتشكيلات العسكرية التركية ، فيذكر وجود "الغزاة والأبطال" ، والذين يذكرهم عاشق باشا باسم "غازيان روم" أي غزاة الروم ، وتذكرها المصادر الأخرى "آلبلر" ، ويرجع ظهور هذا التشكيل الاجتماعي العسكري في الأناضول إلى أيام الفتوحات السلجوقية الأولى ، كذلك يذكر وجود طائفة "الأخيان" التي انتشرت في الأناضول ، والتي تشبه طائفة العيارين والشطار والغزاة ، ووجد أشخاص ينتسبون في نفس الوقت للأخيان والغزاة الأبطال ، فيوصف الواحد منهم بأنه ألب وأخي في نفس الوقت . وقام أفراد طائفة الأخيان بالكثير من الثورات المناهضة للسلاجقة ، واستولوا أحيانا على قونية ، قبل أن يردهم السلاجقة . ويؤكد المؤلف أن (لطائفة الأخيان الدور الرئيسي في تأسيس الدولة العثمانية ، وفي إنشاء الجيش الانكشاري) .
كما يتناول المؤلف تشكيلا اجتماعيا ثالثا ، لم يذكره سوى كتاب عاشق باشا زاده ، وهي جماعة باجيان روم "أي منظمة النساء" ، ويظهر المؤلف تعجبه من هذه المنظمة ، ويتساءل ، هل كن حاملات السلاح من نساء القبائل التركمانية الحدودية ؟ ربما كان هذا هو التفسير الوحيد .
أما التشكيل الرابع الذي تحدث عنه عاشق باشا هم طائفة "أبدال الروم" ، أي (الهراطقة من دراويش الأناضول) . وكانت أهم الطرق الكازونية نسبة للمتصوف الإيراني اسحق الكازوروني ، وكذلك الطريقة القلندرية والحيدرية التي انتشرت في الأناضول في القرن الثالث عشر .
وفي نهاية الكتاب يعرض المؤلف للأحداث التاريخية التي اكتنفت عملية تأسيس الدولة العثمانية ، فينبه لجهود عثمان وخلفائه وتوسيع رقعة أراضيهم على حساب بيزنطة في الأناضول ، ثم في البلقان حتى نجاحهم في إسقاط الإمبراطورية البيزنطية تماما ، ثم يذكر العوامل التي حتمت ظهور الدولة العثمانية وساعدت على نموها ، من ذلك موقعهم الجغرافي على الحدود التركية/البيزنطية ، وعدم اتخاذ القبائل التركية الأخرى موقفا عدائيا من دولة العثمانيين الناشئة ، وتدفق العناصر البدوية والقروية التركية على غرب الأناضول منذ القرن الثاني عشر الميلادي . ويشير المؤلف إلى أن سقوط "غاليبولي" في يد العثمانيين قد اجتذب كثيرا من العناصر البدوية وفقراء القرى للاستيطان في الأراضي الخصبة حولها ، فضلا عن هجرة العديد من الفرسان الأتراك أيضا طمعا في الحصول على إقطاعات غنية في الأراضي التي تقع حول غاليبولي .
وبالإضافة إلى قوة الجيش الإنكشاري العثماني ، فقد قام العثمانيون بتقسيم الأراضي المفتوحة إلى إقطاعات تمنح للسباهية الفرسان . وإلى جانب عوامل النجاح السابقة ، لا يمكن إغفال مزايا الحكام العثمانيين الأوائل : عثمان وأورخان ثم مراد بوجه خاص .
ويذكر المؤلف أن الحياة في مدن الأناضول قد اضطربت لمدة طويلة نتيجة للفتوح السلجوقية . ومع هذا فلم تكن دولة سلاجقة الروم تدعم قواها العسكرية والسياسية في منتصف القرن الثاني عشر وتكون جهازا إداريا محكما حتى تطورت التجارة الداخلية والخارجية ، وساعد ذلك على انتعاش المدن.
وانتهج السلاجقة في القرن الثالث عشر سياسة تجارية فعالة ، من ذلك أنه أوقعوا بأرمينية الصغرى حين أخلت بأمن قوافل التجارة وأرغموها على دفع التعويضات عما ألحقت بالتجارة من أضرار . كما استولوا على ميناء انطاليا لأهميته التجارية الكبيرة . كذلك أقام سلاجقة الروم علاقات تجارية مع البنادقة الذين شغلوا المركز الأول في تجارة البحر المتوسط والبحر الأسود .
ويذكر المؤلف بأن الحركات المغولية وحكم الأيلخانية قد أديا إلى نتائج تجارية طيبة رغم القلاقل الاجتماعية التي أحدثتها ، ورغم الأضرار العسكرية . فاستمرت المراكز الواقعة على الطرق التجارية مثل قونية وقيصرية وسيواس وأرضروم في ازدهارها التجارية عصر الأيلخائين ، والدليل على ذلك ماذكرته المصادر المسيحية ككتابات ماركوبولو ووليم روبروك والمؤرخ الأرمني هايتون ، فضلا عن المصادر الإسلامية .
وأخذ الأتراك _ منذ الفتوحات الأولى _ في سكنى المدن البيزنطية التي استولوا عليها ، وبدؤوا في تنظيم العلاقات الداخلية ، وفي تركيز بعض الصناعات في المدن ، وهكذا تحول الاقتصاد القروي إلى اقتصاد مدني على نحو تدريجي . وأخذت المدن الأناضولية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر في التشكل كمراكز تجارية وصناعية كبيرة تعيش فيها عناصر إثنوغرافية شتى ، ونحل وطبقات اجتماعية مختلفة وأرباب مهن كثيرة ، مثلها بغداد وحلب وغيرها من المدن الإسلامية .
ويلحظ المؤلف أنه منذ القرن الثالث عشر ، كانت المدن القديمة مثل قونية وقيصرية وسيواس تشتمل على السكان الترك المسلمين الذين يشكلون أغلبية ، بالإضافة إلى الروم والأرمن والقليل من اليهود . وكانت نسبة العناصر الأخرى تتغير بطبيعة الحال من مدينة إلى أخرى .
وكان أصحاب كل دين يقيمون في مكان مستقل ، وقامت حياة المدينة بتقريب الفجوات بين المسلمين وغير المسلمين على الصعيد الثقافي ، فعندما مات جلال الدين الرومي اشترك نصارى ويهود قونية مع المسلمين في جنازته ، وكانت العادات والمقدسات المحلية التي ترجع إلى ما قبل المسيحية منتشرة بين سكان المنطقة المسيحيين والمسلمين .
ويفيض المؤلف في الحديث عن الحياة الداخلية في المراكز التجارية والصناعية ذات الأغلبية التركية مثل سيواس ، متناولا التشكيلات المحلية والطوائف الاجتماعية التي تولدت عن طبقة مهنية متقدمة ، فنتحدث عن طبقات أهل المدن من المدنيين والعسكريين ، كذلك عن العلماء والمدرسين والوعاظ وشيوخ الطرق والسادات والشعراء والأطباء والنقاشين والموسيقيين ، وغيرهم من رجال الدولة الذين يتقاضون أموالا من الخزانة العامة .
كذلك يشير المؤلف إلى الكثير من المستشفيات ومطاعم الفقراء والتكايا والمدارس والكتاتيب التي جرى تأسيسها بفضل أوقاف السلاجقة ، ورجال الدولة ، وأثرياء التجار ، وساهم كل هذا في تقديم المدن في الأناضول في القرن الثالث عشر فضلا عن وجود طائفة أرباب الحرف ، التي اعتمدت على طبقة التجار التي قامت بتنظيم النشاط الصناعي ، كما قامت بتدبير أمر القوافل الداخلية والخارجية منها ، وقامت بتوريد حاجات المدينة من الأسواق الداخلية والخارجية ، ولم تكن هذه الطبقة تقوم بتشغيل أموالها في التجارة فقط ، بل كانت تقوم بتشغيل أموال العائلات الأرستقراطية ، وأموال البيروقراطية وأحيانا الأموال البسيطة التي تملكها الطبقة المتوسطة .
ويستمر المؤلف في رصده للأحوال الاقتصادية بالأناضول فيذكر أن الأسواق المحلية كانت تقام داخل المدن أو خارجها ، والأسواق الجامعة التي توفر تبادلا تجاريا أكبر تخضع لحماية الدولة ورقابتها ، وكانت الدولة تحصل ضريبة خاصة على ما يتم بداخلها من المعاملات ، كما كانت تقوم بتجهيز قوة عسكرية لا يستهان بها لحماية الأسواق الكبيرة من غارات العدو . وفي عهد الايلخانيين كانت الضرائب التي تحصل من المدن تسمى (تمغه) ، وبقى هذا المصطلح وبقي نظام الضرائب الأيلخاني مدة طويلة في بعض نواحي الأناضول . كانت لأرباب كل حرفة في المدن الكبيرة سوق خاصة بهم ، مسقوفة أو مكشوفة يزاولون منها العمل في دكاكينهم . وكان كبار التجار وأصحاب الدكاكين من باعة البضائع الثمينة يقيمون في الأسواق المغلقة ، أو ما جاورها من الخانات الكبيرة الآمنة . وفي المدن تجمع أصحاب كل حرفة في طائفة مستقلة وكانت هذه الطوائف ذات التسلسل الرياسي الدقيق تنظر في كل ما يتعلق بالصنعة من مشكلات وتحل ما يقع بين أفرادها من خلاف وتنظم العلاقة بين جهاز الدولة وأرباب الحرف ، وكان من اختصاصها أيضا تقدير الأجور وتعيين مواصفات البضاعة وتحديد ثمنها . وكانت الدولة تراقب هذه الطوائف وتساعدها إذا اقتضى الأمر ، أي أنها كانت تعترف بها كهيئات قانونية ، وتمنحها بعض العقود والامتيازات . واكتسب بعض أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة أهمية خاصة لدى السلاطين ، وكان منهم من يوفد في مهمات دبلوماسية أو استخبارية .
ويشدد المؤلف على أن العامل الأخلاقي هو الذي وقف حائلا بين العمال والثورة على أصحاب رأس المال ، فقد كان مذهبهم الأخلاقي يقوم على الأسس الدينية / الصوفية من ناحية ، وعلى تقاليد البطولة من ناحية أخرى ، ويجعل العلاقة بين العالم ورب العمل كعلاقة المريد بالشيخ ، ويذكر أن هذه الجماعات المعروفة بجماعات الفتوة كانت قد انتشرت في كل البلاد الإسلامية الشرقية ، وكان تشكيه القوي في الأناضول يعرف أعضاؤه بعبارة (أخلير) ، أي الإخوة .
ولم يقتصر وجود هذه التشكيلات على المدن وحدها ، بل وجدت في القرى ومناطق الحدود ، وكان المنتسبون إليها ينتمون إلى طبقات اجتماعية مختلفة فمنهم رجالات الدولة و أغنياء التجار ، والمشايخ والعلماء وأرباب الحرب ، وكذلك "الحرافيش" ومن لا عمل لهم . كذلك أخذ الصناع في المدن في الانضمام إلى صفوف هذه الجماعات تدريجيا ، لكن معظم المنتسبين إليها في المدن الكبرى كانوا من صغار السن وصبيان أرباب الحرف . ولقد أكدت هذه التشكيلات وجودها في النصف الثاني من القرن الثالث عشر في الفترات التي اختل فيها سلطان الدولة ولعبت دورا هاما في حياة المدن ، وصار يحسب حسابها دائما .
ويخلص المؤلف إلى أن مجتمع أتراك الأناضول في القرن الثالث عشر الميلادي كان من أرقى المجتمعات في العصور الوسطى المتأخرة من ناحية توزيع العمل ، والتطور الاقتصادي . وكانت دولة سلاجقة الروم دولة مركزية النظام ذات نظم محكمة تستمد أصولها من التقاليد الإدارية والسياسية التي سادت في دول السلاجقة الكبار . وكان أناضول السلاجقة متقدما إلى حد ما من الناحية الثقافية ، فانتشرت الكتاتيب بجوار المساجد لتعليم الأطفال القراءة والكتابة وانتشرت المدارس في كل مكان ، وازدهر النشاط الفكري خاصة بعد أن استوطن بالأناضول كثير من العلماء والمتصوفة والشعراء الذين هاجروا من الشرق أمام الزحف المغولي ، وبفضلهم اكتسبت مدارس السلاجقة شهرتها الواسعة .
ويعالج القسم الأخير من الكتاب الحياة على الحدود وتأسيس الإمبراطورية العثمانية ، لكنه يتناول أولا أصل قبيلة عثمان ، فيذكر أن العنصر الذي أنجب أسرة عثمان هو عنصر "غزي" أي تركماني لا يفرق في ذلك عن أغلبية الترك الذين وفدوا مع السلاجقة . ويقبل المؤلف الرأي القائل بأن انتماء العثمانيين كان لقبيلة "قايي" ، التي هاجرت من الشرق إلى الغرب ، وتوطن قسم في أذربيجان وجنوب قفقاسيا ، أما القسم الذي ورد إلى الأناضول فقد تقسم وتفرق في أماكن مختلفة ، فما زال عدد من القرى المتباعدة في الأناضول يحمل اسم قايي.
ويبتعد المؤلف عن التفسيرات الأسطورية الأخرى ، فيقرر انه في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي كان أرطغرل ثم عثمان من بعده رئيسيين لعشيرة صغيرة من عشائر الحدود تنتمي إلى قبيلة قايي ، وكانت هذه العشيرة تخضع نظريا لا عمليا لسلاجقة قونية ثم للآيلخانين ، وكان موطنهم هو منطقة (أسكي شهر الواقعة شمال غرب أفروجيا) على الحدود التركية البيزنطية .
ويتناول الكتاب الحياة على الحدود ، فيذكر التشكيلات العسكرية والإدارية التي أقامها سلاجقة الأناضول على الحدود الشرقية والغربية ، وهي تشكيلات الأوج . وكانت أكبر الأوجاقات السلجوقية تقع غرب الأناضول على حدود إمبراطورية نيقية ، وهكذا كان تركمان الأوج يغيرون لحسابهم الخاص على الأراضي البيزنطية ، ويعودون منها بالغنائم والأسلاب وآلاف الأسرى ، وكثيرا ما تسببوا في الصدام بين بيزنطية والسلاجقة بسبب سياستهم التي خرجت عن سيطرة السلطة المركزية للسلاجقة وصنعت هذه العشائر التركمانية المقاتلة الكثير بجيش فريدريك بارباروسا (الجيش الألماني في الحملة الصليبية الثالثة) ، وهو ما لم تصنعه الجيوش السلجوقية النظامية .
ومع أن إمبراطورية نيقية كانت على وئام مع سلطنة قونية ، فقد غيرت خططها الدفاعية من أجل صد غارات عشائر التركمان ، بواسطة إيجاد فيالق عسكرية للدفاع عن الحدود كانت تسمى Akritai ، أو "الخرائطية" كما جاء في المصادر الإسلامية ، ومع نقل العاصمة إلى القسطنطينية بعد نجاح ميخائيل الثامن باليولوغس في استعادتها من اللاتين 1262 ، ساهم ذلك في إهمال وسائل الدفاع لمدة طويلة ، كما أن الإمبراطور صادر قسما كبيرا من الأراضي التي كان ريعها وقفا على الخرائط ، مما أدى إلى إعلاء العصيان ، ويبدو أن قسما منهم انضم إلى العشائر التركمانية في الجهة المقابلة . وهكذا مكن ضعف الدفاع عن الحدود البيزنطية حكام الحدود من التركمان _ خاصة بعد أن فقدت نيقية صفتها كعاصمة _ من أن يقوموا بتوسيع أراضيهم بالتدريج نحو الغرب ، كما ساعد أيضا على تكوين التشكيلات السياسية الجديدة على الحدود البيزنطية وبخاصة حين ضعف الحكم السلجوقي تخت وطأة المغول .
وعندما اضطربت أحوال بيزنطة نتيجة لعجز الإمبراطورية عن الدفاع عن رعاياها في الشرق ، مع إثقالهم بالضرائب ، أثر بعضهم الدخول في طاعة أمراء الحدود من التركمان لقاء جزية خفيفة ، وأخذت الإمارات التركية الحدودية تتحول بالتدريج من عشائر تحيا على السلب إلى تشكيلات سياسية منظمة تتكفل بمصالح رعاياها .
كما يشير المؤلف عند الحديث عن العناصر الأثنوغرافية والدينية في الأناضول خلال نفس الفترة إلى وجود العديد من العلماء الذين درسوا في العواصم الإسلامية وفي إيران ومصر والقرم ، ومعهم طائفة من أعضاء البيروقراطية السلجوقية والأيلخانية المهاجرة من وسط الأناضول ووضعوا معل _ وبالتدريج _ أساس الجهاز الإداري في إمارات المؤسسات الثقافية . وهكذا تطورت الحياة في مدن وقرى الحدود وزادت كثافتها السكانية .
ولما كانت مناطق الحدود هذه تقع في أقصى "دار السلام" من الناحية الغربية ، وكان الصراع فيها مصطبغا إلى حد ما بالصبغة الدينية ، وله طابع "الجهاد المقدس" ، فقد وفدت على هذه المناطق جماعات مختلفة من الناس يتزينون بزي الدراويش الرحالة (ظاهرهم طلب الجهاد ، وحقيقتهم طلب العيش) .
وعلى الرغم من الدعاية التي كانت تزاولها المدارس الدينية والطرق المستقرة في المدن ، فلم تقع بين المسلمين والنصارى الذين يعيشون تحت حكم واحد في مناطق الحدود أية خصومة ترجع إلى سبب ديني ، وهو ما يؤكد انعدام العداء الديني بين المسلمين والنصارى في الأناضول طوال العصور الوسطى المتأخرة ، وبخاصة فترة الأتراك السلاجقة .
ويتناول المؤلف مسألة الدخول في الإسلام ، فيذكر أن انتشار الإسلام في نصارى شرق الأناضول ووسطه لم يبلغ شأنا كبيرا في العهدين السلجوقي والايلخاني ، معتمدا على ما يرويه الأقسراي من أن الجزية التي كانت تجبى من أتراك الأناضول في القرن الثالث عشر قد كونت قسما هاما من الإيرادات العامة . كما يقرر أن الدخول في الإسلام بالأناضول في العهد العثماني قد حدث بالتدريج منذ القرن الرابع عشر ، وأن نسبته لم ترتفع إلا بعد أن رسخت الدولة العثمانية أقدامها في البلقان في القرن الخامس عشر ، ويؤكد أن الدولة العثمانية جرى تأسيسها في القرن الرابع عشر بعناصر تركية خالصة ، فلما آل أمرها بعد النصف الثاني من القرن الخامس عشر إلى أن تصبح إمبراطورية كبيرة تسيطر على عناصر مختلفة ، دخلت في الجهاز الإداري _ كما حدث في الامبراطوريتيين البيزنطية والعباسية . ( عناصر متعثمنة Ottamanises ) ، وإذا كان انتماء قسم كبير من أباطرة بيزنطية إلى عناصر أجنبية لم يتخذ دليلا على عجز العنصر البيزنطي عن إدارة دولاب الإدارة ، فلا يمكن أن يكون موقف الإمبراطورية العثمانية وهو مماثل لموقف الإمبراطورية البيزنطية دليلا على عجز الترك .
ويعرض المؤلف للتشكيلات العسكرية التركية ، فيذكر وجود "الغزاة والأبطال" ، والذين يذكرهم عاشق باشا باسم "غازيان روم" أي غزاة الروم ، وتذكرها المصادر الأخرى "آلبلر" ، ويرجع ظهور هذا التشكيل الاجتماعي العسكري في الأناضول إلى أيام الفتوحات السلجوقية الأولى ، كذلك يذكر وجود طائفة "الأخيان" التي انتشرت في الأناضول ، والتي تشبه طائفة العيارين والشطار والغزاة ، ووجد أشخاص ينتسبون في نفس الوقت للأخيان والغزاة الأبطال ، فيوصف الواحد منهم بأنه ألب وأخي في نفس الوقت . وقام أفراد طائفة الأخيان بالكثير من الثورات المناهضة للسلاجقة ، واستولوا أحيانا على قونية ، قبل أن يردهم السلاجقة . ويؤكد المؤلف أن (لطائفة الأخيان الدور الرئيسي في تأسيس الدولة العثمانية ، وفي إنشاء الجيش الانكشاري) .
كما يتناول المؤلف تشكيلا اجتماعيا ثالثا ، لم يذكره سوى كتاب عاشق باشا زاده ، وهي جماعة باجيان روم "أي منظمة النساء" ، ويظهر المؤلف تعجبه من هذه المنظمة ، ويتساءل ، هل كن حاملات السلاح من نساء القبائل التركمانية الحدودية ؟ ربما كان هذا هو التفسير الوحيد .
أما التشكيل الرابع الذي تحدث عنه عاشق باشا هم طائفة "أبدال الروم" ، أي (الهراطقة من دراويش الأناضول) . وكانت أهم الطرق الكازونية نسبة للمتصوف الإيراني اسحق الكازوروني ، وكذلك الطريقة القلندرية والحيدرية التي انتشرت في الأناضول في القرن الثالث عشر .
وفي نهاية الكتاب يعرض المؤلف للأحداث التاريخية التي اكتنفت عملية تأسيس الدولة العثمانية ، فينبه لجهود عثمان وخلفائه وتوسيع رقعة أراضيهم على حساب بيزنطة في الأناضول ، ثم في البلقان حتى نجاحهم في إسقاط الإمبراطورية البيزنطية تماما ، ثم يذكر العوامل التي حتمت ظهور الدولة العثمانية وساعدت على نموها ، من ذلك موقعهم الجغرافي على الحدود التركية/البيزنطية ، وعدم اتخاذ القبائل التركية الأخرى موقفا عدائيا من دولة العثمانيين الناشئة ، وتدفق العناصر البدوية والقروية التركية على غرب الأناضول منذ القرن الثاني عشر الميلادي . ويشير المؤلف إلى أن سقوط "غاليبولي" في يد العثمانيين قد اجتذب كثيرا من العناصر البدوية وفقراء القرى للاستيطان في الأراضي الخصبة حولها ، فضلا عن هجرة العديد من الفرسان الأتراك أيضا طمعا في الحصول على إقطاعات غنية في الأراضي التي تقع حول غاليبولي .
وبالإضافة إلى قوة الجيش الإنكشاري العثماني ، فقد قام العثمانيون بتقسيم الأراضي المفتوحة إلى إقطاعات تمنح للسباهية الفرسان . وإلى جانب عوامل النجاح السابقة ، لا يمكن إغفال مزايا الحكام العثمانيين الأوائل : عثمان وأورخان ثم مراد بوجه خاص .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق