الخميس، 7 فبراير 2013

فتح المسلمون لجزيرة قبرص سنة 28هـ


(فتح المسلمون لجزيرة قبرص سنة 28هـ )
أدرك المسلمون منذ الخلافة الراشدة الأهمية الإستراتيجية لجزيرة قبرص تلك الجزيرة التي تقع في أقصى شرق البحر المتوسط وتعد من كبرى جزره، ومن الجزر التي تشكل خطرا على الوجود الإسلامي في منطقة البحر المتوسط سواء في الشام مصر وبلاد المغرب أو الأناضول بعد ذلك، فقد كانت الجزيرة من الناحية الإستراتيجية عقبة في طريق التجارة الإسلامية في البحر المتوسط، وخطرا على الوجود الإسلامي في شواطئ المتوسط، وخطرا على قوافل الحجيج، وخطرا على الدولة الإسلامية عند قيام أي حلف صليبي لمحاربة المسلمين، فهي لا تبعد عن الشواطئ التركية إلا أميالا قليلة، ولا تبعد عن سواحل الإسكندرية إلا بأقل من أربعمائة كيلو متر، كما أنها قريبة من سواحل الشام بحوالي مائة كيلو متر.ولذا كانت المحاولات الإسلامية متكررة لإخضاع قبرص، وكانت أول هذه المحاولات في عهد الخليفة الراشد "عثمان بن عفان" رضي الله عنه، حيث استأذنه والي الشام آنذاك "معاوية بن أبي سفيان" رضي الله عنه في القيام بغزوة بحرية إلى قبرص، فوافق "عثمان" واشترط عليه ألا ينتخب للغزو في البحر أحدا من الناس وألا يجبر أحدا على الخروج، وأن من يخرج معه للغزو يكون برغبته الحرة، ولعل ذلك يرجع إلى قلق المسلمين من البحر والقتال فيه؛ لأنهم أهل بادية وصحراء ولم يكن لهم سابق خبرة بالبحر.
وفي عام (28هـ= 649م) -على اختلاف في الروايات التاريخية- تمكن الأسطول الإسلامي الذي انطلق من الشام بقيادة "عبد الله بن قيس"، والأسطول الذي انطلق من مصر بقيادة "عبد الله بن سعد" من فتح قبرص التي كانت تحت سيطرة البيزنطيين، وكان في هذه الغزوة عدد من كبار الصحابة منهم "عبادة بن الصامت" و "أم حرام بنت ملحان" رضي الله عنهما، وتوفيت أم حرام في تلك الجزيرة ودفنت بها، وعقد المسلمون مع أهل قبرص معاهدة كان من أهم بنودها: ألا يقوم أهل قبرص بغزو المسلمين، وأن يخبروا المسلمين إذا قام الروم بالسير لقتال أهل الإسلام، وأن يدفعوا جزية سنوية قدرها سبعة آلاف دينار.
وعندما وقعت الفتنة الكبرى بين المسلمين في عهد الإمام "على بن أبي طالب" رضي الله عنه، استغل القبارصة هذه الظروف السياسية التي تمر بها الدولة الإسلامية وامتنعوا عن دفع الجزية، فقام "معاوية" بغزوهم مرة أخرى واستولى على الجزيرة وأسكن فيها عدة آلاف من جند المسلمين، ونقل إليها عددا من سكان مدينة بعلبك، لكن الظروف السياسية التي عاصرت القتال بين "عبد الله بن الزبير" و"عبد الملك بن مروان" شجعت البيزنطيين على السيطرة على الجزيرة.
وتكررت المحاولات الإسلامية لإعادة السيطرة على الجزيرة أعوام (130هـ= 748م) و(158هـ= 775م) و(184هـ= 800م) و(190هـ= 806م).
وقد لعبت قبرص دورا معاديا للمسلمين إبان الحروب الصليبية؛ فقد استولى عليها ملك بريطانيا ريتشارد قلب الأسد سنة (587هـ= 1191م) وجعلها قاعدة حربية للإمداد والتموين، وبعد رحيل الصليبيين عند بلاد الشام كانت قبرص هي المكان التي تجمعت فيه تلك القوى والفلول الصليبية للإغارة على السفن والشواطئ الإسلامية، وكان من أشد تلك الغارات عملية القرصنة التي قاموا بها على مدينة الإسكندرية سنة (767هـ= 1366م) بقيادة بطرس الأكبر حيث احتلوا الإسكندرية 3 أيام وقتلوا الكثير من سكانها واغتصبوا الكثيرات، وحملوا معهم الكثير من الأسرى. وقد خلد المؤرخ السكندري "النويري" في كتابه "الإلمام" هذه الوقائع.
وأمام هذا القلق الإستراتيجي قام السلطان المملوكي "الأشرف برسباي" بفتح قبرص وضمها إلى دولته سنة (829هـ=1426م)، لكن البنادقة قاموا بالسيطرة وإخضاعها لسيطرتهم في عام (895هـ= 1490م).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق