السبت، 6 أبريل 2013

الظلم أسباب و موجبات .


الظلم أسباب و موجبات ..



يعلوا الامتعاض و يرتفع الصخب رايات و تتزايد المطالبات رافعةً اصوات الغضب مناهضة للظلم .
نعم نتفق جميعا على وجوب العدل تقعيدا و تحقيقا على كل صعيد و بكل السبل .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ( من أين يبدأ العدل ؟ )
و قبل أن ننغمس بين طيات الإجابة علينا أن نتأمل قليلا .
أولا : أنواع الظلم و يكفينا في ذلك أن نذكر ما حسنه الألباني برواية أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( الظلم ثلاثة ، فظلم لا يغفره الله ، و ظلم يغفره ، و ظلم لا يتركه ، فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك ، قال الله : (( إن الشرك لظلم عظيم )) ، وأما الظلم الذي يغفره العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم ، وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدبر لبعضهم من بعض ).
و هذا الحديث يبين لنا نطاق الظلم الذي سيقودنا للأسباب و الموجبات .
و الموجب أعظم من السبب لأن الموجب يجعل وقوع الظلم عقوبة و جزاء .
فلاشك أن الشرك و هو أعظم الظلم أستحق أهله العقاب و الأمم السابقة خير دليل على ذلك مما وقع لهم من هلاك . و مع ذلك لا يزال على الأرض من يحيا مشركاً و لم يحظى بهلاك لا لشيء إلا لأن الله تعالى قد قال : ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) 3 الحجر .
و هنا نصل للظلم الذي لا يتركه الله تعالى ” ظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدبر لبعضهم من بعض ” و هو مقام الكلام هنا و الذي لا ينفك عنه رجلٌ و لا امرأة إما لهوى أو طمع أو حسد أو تسلط .
و يتضح لنا بداية سلسلة العدل و الظلم بنظرة تشبيهيه نتخيلها لتجسيد المسألة .
إن المجتمع من منظور القوة اشبه ما يكون بدوائر بعضها فوق بعض فالدائرة الكبرى المحيطة بعدد من المجتمعات هي الدولة , و تكبر الدائرة و تتوسع من الدول الضعيفة للقوية و تصغر الدوائر داخل بعضها حتى نصل للأسرة ثم الفرد .
فالعدل و الجور يتمدد من المجال الأضيق للأوسع لا العكس لأن هذا الحق الذي لا يتركه الله عز و جل
و قد روى ابن حجر الحديث المرسل عن عبد الله بن زيد : ( البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت وكن كما شئت كما تدين تدان )
خادمات كيف نعاملهن ؟
أمهات أين برهن ؟
أزواج أين طاعتهم ؟
زوجات أين حقوقهن ؟
موظفون .. عمال .. كبار .. صغار .. فقراء .. أغنياء ….. الخ
و كل معصية فيها تجرؤ على حقوق الآخرين ظلم و من هذا ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( مُطلُ الغنيِّ ظلمٌ ) .
فإن كانت مماطلة الغني في دَينِه على مَدين من الظلم فهل تستطيعون تصور صنوف الظلم التي لا عبرة فيها للغنى و الفقر و لا لسن و لا لجنس و لا لهوية حتى السخرية أو سوء الظن و مهما كان الظلم صغيرا في اعيننا فهو عند الله كبير فلا ظالما بخير و لا يضيع عند الله شيء .
و مع الأسف أغلب ما يكون من المظالم وقعت على الناس بسبب ظلمهم لغيرهم و الإثنان يكونان ككفتي الميزان عدلا و قسطا , فمن ظلم بكلمة ردت له مثلها و هكذا كما أن الإعانة على الظلم ظلم ؟
قال بعض الشعراء:
وما من يدٍ إلا ويد الله فوقها * وما من ظالمٍ إلا سيُبلى بأظلمِ لا تظلمنّ اذا ما كنت مقتدراً * فالظلم آخره يفضي الى الندمِ تنام عيناك والمظلوم منتبه * يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
و قال أبو العتاهية:
أمــا والله إن الظلـم لـؤم ومازال المسيء هو الظلوم إلى ديـان يـوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصـوم ستعلم في الحساب إذا التقينا غـداً عند الإله من الملـوم
و لا عجب أن يسلط الله اصحاب سلطةٍ ظُلام على ضِعاف لأن الله تعالى أعلم بخلقه فقد أرى الله تعالى بني إسرائيل رحمته و نصره بعد استضعاف و استعباد و ظلم دام سنين على يد فرعون اللعين لكنهم بمجرد ما نجوا ظلموا .. بطلبهم من موسى عليه السلام أن يجعل لهم آلهة , ثم عبدوا العجل , وقولهم لما اراد الله إكرامهم ببيت المقدس يدخلونها بكلمة لا تكلفهم شيء و لا تسلبهم قطرة دم : ( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) 24 المائدة .
ففي عِلمِ الله كانوا ظالمين , و أي ظلم ؟ أعظمه و الذي لا يغفره .
روى السخاوي في المقاصد عـن الـحـسـن الـبـصـري : إنه سمع رجلاً يدعو على الحجاج فقال له : لا تفعل إنكم من أنفسكم أتيتم ، إنا نخاف إن عُزل الحجاج أو مات أن يستولي عليكم القردة والخنازير ، فقد رُويَ أن أعمالكم عمالكم ، وكما تكونون يولى عليكم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ” الفتاوى ” في ” رسالة في الحسبة ” ما نصه : ( فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ وَعَاقِبَةُ الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ وَلِهَذَا يُرْوَى : ” اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً ” . )
ومصداقا لذلك أنه لما سمع عمرو بن العاص رضي الله عنه المستوردَ بن شدادَ يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( تقوم الساعة و الروم أكثر الناس. قال له عمرو : أبصر ما تقول ؟ فقال المستورد :
أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال عمرو : لئن قلت ذلك ؛ إن فيهم لخصال أربعا : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، و أوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم و ضعيف ، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك . رواه مسلم.
فكيف بنا نطلب العدل و رفع الظلم عنا و نحن ظالمون ؟
فإن أردت رفع الظلم عنك لا بد من رفع ظلمك عن الآخرين , و إن كنا نريد النصر و العزة و أن يُولى علينا خيارنا فلا نسير على خُطى المغضوب عليهم و لا الضالين .
همسة :
أن تكون قادراً لا يعني أن تكون قاهراً فالفرق حرف و الفعل حيف .
ميساء باشا‎

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق