الخميس، 22 نوفمبر 2012

أوجه اختلاف القرآن عن الكتب المقدسة الأخرى!




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, إياه نعبد وإياه نستعين, ونلجأ إليه لجوء الراغبين, وسلام على عباده المرسلين, ثم أما بعد:

من النقاط التي يلعب عليها غير المسلمين مسألة عدم معرفة المسلمين بالكتب الأخرى, فيدعون أنه لا فارق يذكر بين القرآن والكتب المقدسة الأخرى, فكلها تدور في نفس النطاق تقريبا, فلم يأت القرآن بجديد ولا بشيء يتميز به عن الكتب السابقة, ومن ثم يعترضون على إدعاء المسلمين تفرد القرآن واختلافه! 

وبغض النظر عن كونهم قد قرأوا هذه الكتب كاملة أو بعض متفرقات منها, فإن هذا الحكم الصادر ينبأ عن هوى محكم في إطلاق الأحكام على عوانها نابع من رفض شديد للأديان مما يؤدي بصاحبه إلى وضع البيض كله في سلة واحدة!!

ولأن كثيرا من المسلمين قد يُصدمون من هذا الاعتراض, والذي قد يقدم صاحبه عليه بعض أوجه التشابه بين الإسلام والأديان الأخرى كدليل على عدم تميز القرآن والإسلام عن غيره من الأديان –وأوجه التشابه هذه موجودة لا محالة, فمن المستحيل أن يأتي دين بمحتوى جديد كليةً, فلزام على كل دين أن يعرض مثلا للقضية الإلهية, وقضايا أخرى مثل إثابة الطائع وعقاب العاصي ... الخ- وقد لا يجدون الإجابة اللازمة التي تفحم صاحب هذا الاعتراض, نقدم للإخوة القراء –مسلمين كانوا أو غير مسلمين- بعضا من –وليس كل- أوجه الاختلاف المحورية بين القرآن وغيره من الكتب المقدسة!

ولن نعرض في موضوعنا هذا إلى بلاغة القرآن, لأنها من المسائل المختلف فيها, والتي قد يستشعرها البعض ولا يجدها آخرون, كما أن المقارنة يجب أن تكون عادلة فكثير من هذه الكتب بغير لغتها الأصلية, ولو ترجمنا القرآن إلى لغة أخرى فإنه يفقد مسألة البلاغة الحاسمة هذه, إلا أن باقي النقاط تظل كما هي, كما أننا لن نعرض للمسائل المختلف فيها بين أتباع الديانة نفسها والتي يفهمونها بشكل معين, فلن نعرض مثلا لآية في الإنجيل تتحدث عن أن المسيح لم يأت ليلق سلاما وإنما ليلق سيفا, وذلك لأن المسيحيين يفهمونها في إطار معين, وإنما سنعرض للظاهرة العامة في الكتاب, فلن نجعل للقليل أو لغير المعلوم حكم الأعم الغالب, ونحاكم أتباع تلك الديانة عليه, وإنما سنحتكم إليه كما هو بعيدا عن التأويلات والشطحات, وإنما تبعا للأكثرية التي يوزن بها ويُقاس عليها, ولهذا لن نعرض أمثلة بعينها في حديثنا عن الكتب الأخرى, حتى لا يتحول الأمر إلى الدفاع عن هذه الأمثلة, وإنما سنتكلم عن الظاهرة العامة التي يقر بها أتباع الدين ... وهذه النقاط الظاهرة لكل ذي عينين غير مُستعمٍ هي التي سنعرض لها في مقارنتنا بين القرآن وغيره من الكتب الأخرى!
أول ما نبدأ به هو البناء العجيب لسور القرآن, فالناظر في الكتابات البشرية كلها وحتى الكتب المقدس الأخرى يجد أنها قائمة على الاسترسال, بينما نجد القرآن لا يقوم على هذه الطريقة المألوفة, وإنما نجده يتنقل من موضوع إلى آخر مكثرا من الحديث عن التاريخ والطبيعة, بحيث يشعر القارئ للسورة في القرآن قراءة سطحية أنها كلام فوضي لا رابط له, فإذا دقق فيها وجد اتصالا بديعا بين الآيات وبين أجزاء السورة, بل وبين السورة والسابقة لها والتالية! في بدايات ونهايات السور وفي المحتوى نفسه!

ناهيك عن الترتيب غير المألوف لمفردات الجملة نفسها, -والذي يحتمه كون الكتاب المحكم يريد إيصال معنى محدد دون غيره, والذي لم يوجد له مثال سابق في كلام العرب!
والمشكلة أن أكثر الذين ترجموا القرآن إلى لغات أخرى قضوا على هذه المسألة, لأنهم رأوا أن هذا الترتيب لا يتناسب ولا يتسق مع بناء الجمل في لغاتهم وقد يستغربه القارئ! ومن ثم لم يراعوا ترتيب المفردات داخل الكلمة وقدموها تبعا لقواعد لغتهم!
ولست أدري من قال أن ترتيب المفردات في الجملة القرآنية هو من المألوف في الكلام العربي! إن الإنسان العربي يستغرب كثيرا هذا الترتيب, فليس هو من مألوف كلامه كذلك! ويجتهد المتدبر في فهم الجملة تبعا لترتيب مفرداتها!
(وقليل من حافظوا على هذا العرض والترتيب من أجل أكبر قدر من المحافظة على المطابقة مع النص الأصلي ومن هؤلاء المترجم الألماني اليهودي: ماكس هيننج, والذي قدم ترجمة من أفضل ترجمات القرآن في اللغة الألمانية في أول القرن الماضي (العشرون) لا تزال هي الأفضل حتى الآن!)


ومن خلال قراءة المرء في الكتب الأخرى يظهر أن كلامها إنشائي سردي تبعا للنسق المألوف, فيمكن للمرء القول أنه لا تميز في هذه المسألة الأخرى, ويمكن لأي إنسان بليغ أن ينشأ نصوصا ويدعي أنها إلهية, بينما لم نر حتى الآن من أتى بنص واحد مثل سور القرآن يعتمد هذه الطريقة, فيقدم كلاما بليغا, تبدو كل جملة فيه على حدة ذات معنى, إلا أن ظاهره التشتت والفوضى بينما هو متصل في داخله, فتُفهم كل جملة بمفردها ويخرج القارئ منها بمعنى, ثم تُفهم بشكل أعمق من توظيفها داخل النص!
ونحن لا نشترط أن يكون هذا هو الشكل الوحيد لكلام الله, ولكنا نجزم بأن كلام الله لا بد أن يكون متميزا, وفي هذه النقطة لم نر تميزاً في الكتاب الأخرى ورأيناه بجلاء في القرآن!!

ونترك مسألة البناء العجيب للقرآن منتقلين إلى نقطة أخرى هي أوضح ما تكون, وعلى الرغم من ذلك نجد من يتبجح مدعيا عدم وجود اختلاف وهي مسألة المحتوى, فما هو المحتوى الذي يقدمه القرآن وتقدمه الكتب الأخرى؟!فإذا نظرنا في القرآن وجدنا أنه يقدم نفسه على أنه كتاب إلهي, يخاطب الله تعالى فيه النبي والمؤمنين والناس, يعرف بنفسه وبالملائكة ويعرف باليوم الآخر, ويجيب على كل الأسئلة الخالدة التي تدور بخلد الإنسان, مثل من أين أتى ولماذا أتى وهل هناك حياة بعد الموت, وكيف يعيش الإنسان الحياة المثلى, وكيف يتعامل مع الرب .. الخ, يحتوي أحكاما بالفعل والترك.... الخ!
في النهاية هو يمكن القول بكل ثقة أنه كتاب يدعو للإيمان به!

فإذا نظرنا في المسيحية مثلا وجدنا أن كتابها المقدس ما هو إلا سيرة للنبي عيسى عليه السلام, والذي يظهر فيها جليا أنه يدعو إلى الله! ولكن لما كانوا قد أضافوا إلى هذه السيرة بعض الشروحات والأحداث التاريخية الأخرى والرسائل التي أرسلها بعض من التحق بالدين إلى أهالي بعض المناطق, أصبح لزاما أن تُفهم هذه السيرة تبعا لهذه الشروحات والرسائل وتبعا لقرارات المجمعات التي انعقدت بعد مئات السنين!
وهنا نتساءل: هل هذا كتاب إلهي؟ أين الكتاب أصلا؟! إن الإنجيل الحالي ما هو إلا سيرة شبيه بسيرة ابن هشام عند المسلمين, لا يزيد عن هذا, وعلى الرغم من ذلك فهو مقدس عند قرابة الملياري إنسان!!!


فإذا تركنا المسيحية وانتقلنا إلى اليهودية وجدنا أنها أحسن حالا من المسيحية, فهناك كتاب مقدس وهناك تعريف بالإله, إلا أن هذا الكتاب تحول بعد ذلك إلى كتاب تاريخ يحكي التاريخ الذي مر به بنو إسرائيل, وبالتأكيد فإن الكتب الإلهي لن يكون كتاب تاريخ!! وهكذا أصبحت الكتب الملحقة بالتوراة مثل الأناجيل, كتب تحكي حياة النبي والأحداث التي مر بها وتذكر أقواله, بينما لا وجود بوضوح لكتاب مستقل!! 
فإذا تركنا التوراة والإنجيل وانتقلنا إلى كتب أخرى مثل الأفستا –الكتاب المقدس للديانة الزرداشتية- وجدنا أن الكتاب ليس خطابا من الإله للبشر وإنما هو خطاب من البشر للإله, فهو أقرب ما يكون من مناجاة العباد ربهم وليس تعريفا من الرب وأوامر يعلمهم إياها!
كما أنه على هيئة حوارات بين زرادشت وبين الإله, زرادشت يسأل والإله يجيب!!
وهكذا أتت الشريعة الزرادشتية إجابة من الرب لسؤالات زرادشت!!
ونحن لا نعترض على أن يختلف شكل الوحي من نبي لآخر, ولكن لا يصل الأمر إلى هذه الدرجة, فتصبح المسألة حوارات بين زرادشت وبين الرب!!
إن نبينا الكريم لم ير جبريل, الملك الذي كان يأتيه بالوحي إلا مرتين اثنتين, وكانتا لغرض مخصوص, وكان هذا الشيء صعبا, فما بال زرادشت هذا يتحاور مباشرة مع الرب؟!!


فإذا تركنا الأفستا التي كان الرب يُحاوَر فيه, وانتقلنا إلى كتب الهند المقدسة, وجدنا أنها كتب تاريخية تحكي وقائع وأحداث وقعت, وتتحدث عنها ممجدة لها ومعظمة, فإذا أخذنا الباجافاد جيدا نموذجا, وجدنا أنه كذلك كتاب تاريخي فهو مأخوذ من الملحمة الهندية الكبرى والتي تزيد عن المائة ألف بيت شعري, وهي حوار متواصل بين سري كريشنا وأرجونا, والذي هو في نهاية المطاف ليس رب الأرباب ولا خالق السماوات والأرض! فكذلك هنا الرب العلي لا يتكلم ولا يخاطب ولا يعرف, وإنما هو حوار بين مخلوقين, أحدهما ذو منزلة أعلى!!

ولقد انتبه البهاء في كتابه الأقدس إلى هذه المسألة فجعله على لسان الرب, فالكتاب على هيئة تعليمات وإرشادات من الرب, إلا أن الكتاب كمجمل تقليد سمج وركيك للقرآن!! كما أنه مجرد تعليمات, فالكتاب على هيئة اعملوا كذا ولا تعملوا كذا ولقد أبحنا كذا وحرمنا كذا, وليس له أي علاقة بالواقع ولا بالكون ولست أدري ما الدليل الذي يقدمه هذا النص على كونه من عند الله؟!!
__________________
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق