الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

مما يستفاد من قصة أبونا آدم عليه السلام


  • أولاً – آدم هو أصل البشر ودحض نظرية دارون :إن آدم عليه السلام هو أصل البشر ، فقد خلقه الله تعالى من طين على صورته البشرية الكاملة التي لم تأت عن طريق التدرج عن نوع من أنواع المخلوقات ، أو عن صورة أو هيئة أخرى كما يزعم أهل الباطل أصحاب نظرية دارون ، الذين يزعمون أن أصل الإنسان قرد ، ثم تدرج إلى أن صار إنساناً على هيئته المعروفة الحالية.وهذا قول باطل لا دليل عليه ، فالله تعالى خلق آدم من طين ، ثم نفخ فيه الروح ، فصار بشراً سوياً من لحم ودم بكامل هيئته وصورته الإنسانية ، وقد دل على ذلك قوله تعالى : (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين). وهذه الآية تدل على أنه تعالى لما نفخ الروح في آدم وجب على الملائكة أن يسجدوا له ، لأن قوله تعالى : ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) مذكور بـ (فاء) التعقيب ، وذلك يمنع التراخي.ومعلوم أن آدم عندما أمر الله تعالى للملائكة بالسجود له كان عليه السلام بكامل صورته البشرية ، ولم يكن على هيئة أخرى.وفي الحديث النبوي الشريف (خلق الله آدم على صورته) ، فخلق آدم جاء كاملاً من جهة هيئته وصورته الإنسانية. وقال الإمام الرازي في تفسيره : إن الله تعالى خلق آدم على صورة الإنسان
    ثانياً : جوهر الإسلام الطاعة المطلقة لله :أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم ، فسجدوا له سجود تحية وتكريم وتعظيم واعتراف بفضله ، وطاعة لله رب العالمين دون تردد ولا اعتراض ، مع أنهم في الملأ الأعلى وهم في حال تسبيح وتقديس وعبادة مستمرة لله رب العالمين ، وقبل أن يصدر من آدم أي نوع من العبادة ترجح على عبادتهم ، وإنما كانت مبادرة الملائكة إلى السجود لآدم ، والحال كما وصفنا ، لأن الأمر لهم بالسجود لآدم صادر من الله رب العالمين ، وما يأمر به الله تجب المبادرة إلى تنفيذه حالاً وبدون تردد ولا اعتراض ولا توقف في تنفيذه على معرفة حكمة هذا الأمر ، وهذا هو جوهر الإسلام ، وهذا هو الشأن بالمسلم : يسارع إلى طاعة ربه ، والامتثال لأمره بدون تردد ولا اعتراض ، ولا تعليق لهذه الطاعة على شيء آخر من معرفة سبب الأمر أو معرفة حكمته ، أو موافقته لعقله وهواه ، وبهذا نطق القرآن ، قال تعالى : (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً).على الدعاة التأكيد على هذا المعنى : وهو أن جوهر الإسلام هو الطاعة المطلقة لله رب العالمين في كل ما يأمر به ، وينهى عنه ، وبدون قيد ولا شرط ولا تعليق للطاعة على أي شيء كما قلنا. وعلى الدعاة أن يشرحوا هذا المعنى ، ويزيدوه بسطاً وتوضيحاً وضرباً للأمثلة من نصوص القرآن الكريم ، ومن أفعال الصحابة الكرام.وقد يكون من سبل البسط والشرح والتوضيح لهذا المعنى الذي نريد التأكيد عليهأن يقال : إن الإسلام يعني الاستسلام والانقياد التام لله رب العالمين ، وأصل هذا الاستسلام والانقياد في القلب ، ويشترط فيه أن يكون تاماً وعن رضا واختيار.ومظهر هذا الاستسلام والانقياد الطاعة المطلقة لله رب العالمين في كل ما أمر به ، وما نهى عنه دون تردد ولا اعتراض ، ولا تعليق لهذه الطاعة على شيء آخر ، ومن هنا قلنا : إن هذه الطاعة المطلقة التي هي ثمرة الاستسلام التام لله رب العالمين هي جوهر الإسلام .
  • ثالثاً : قابلية الإنسان للوقوع في الخطيئة :ويستفاد من وقوع آدم في مخالفة نهي الله له عن الأكل من الشجرة ، قابلية الإنسان للوقوع في الخطيئة ، وهذه القابلية متأتية من طبيعة الإنسان ، فقد خلقه الله تعالى على طبيعة تجعل وقوعه في الخطيئة أمراً ممكناً ، لما في طبيعته ، وما جبله الله عليه من ميول ورغبات وغرائز هي جوانب الضعف في الإنسان ، والتي من خلالها ينفذ الشيطان بوساوسه إليه ، ويزين له الوقوع في الخطيئة ، ومن غرائز الإنسان الكامنة فيه أنه يحب أن يكون خالداً لا يموت ، أو معمراً أجلاً طويلاً كالخلود ، ويحب أن يكون له ملك غير محدد لا يموت ، أو معمراً أجلاً طويلاً كالخلود ، ويحب أن يكون له ملك غير محدد بالعمر القصير المحدد فجاء إبليس إلى آدم من هذه الغريزة ، فقال له ولزوجته : (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخلدين) ، وأكد لهما ادعاءه بالحلف بالله بأنه لهما لمن الناصحين.وما قلناه لا يعني الاستسلام لهذه الغرائز والميول والرغبات ، بل لا بد للمسلم من أن يضبطها ويكبح جماحها ويجعلها تابعة لأحكام الشرع ، فقد جاء في الحديث الشريف (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) وهذه الميول والغرائز والرغبات هي ما تهواه النفس وغالباً ما تكون منفلتة ومتجاوزة حدودها ، ولا يمكن ضبطها إلا بالالتزام بأحكام الشرع ، ولذلك يأتي ذم (الهوى) ويراد به ما تهواه النفس ، لأن الغالب في هوى النفس أنه مذموم ، قال تعالى : (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) فقد أطلق الهوى ، ومدح من ينهى نفسه عن الهوى ، لأنه ينصرف عند الإطلاق إلى ما هو مذموم
     رابعاً : خطيئة آدم تزيد من توكل المسلم على ربه :إن خطيئة آدم تظهر عظيم استعداد الإنسان للوقوع في الخطيئة ، وتثير الخوف والفزع في النفوس وبالتالي تزيد من توكل المسلم على ربه ، واعتماده عليه ، ليكفيه شر الشيطان الرجيم ، وبيان ذلك أن الله تعالى أسجد الملائكة لآدم إظهاراً لفضله وعلو منزلته عند ربه ، وطرد إبليس من الجنة ، لامتناعه من السجود له ، وأسكنه وزوجه في الجنة ، وأمره بالأمر الصريح بعدم الاقتراب من شجرة معينة وأباح له ما عداها من نعيم الجنة وثمارها ، قال تعالى : (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين). وحذرهما من الشيطان ، ومن خداعه وكيده ، ليخرجهما من الجنة ، قال تعالى : (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى). مع هذا كله فإن الشيطان استزلهما وغرهما ، فأكلا من الشجرة ، ووقعا في المعصية ، فأخرجهما مما كان فيه من نعيم الجنة ، قال تعالى : (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوج الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان فأخرجهما مما كان فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتع إلى حين) من أجل هذا قلت : إن خطيئة آدم تثير الخوف والفزع في نفس كل مسلم يقف على قصة آدم عليه السلام ، لأنه يتضح مدى إمكان تغرير الشيطان ، ودفعه إلى المعصية مما يجعله خائفاً فزعاً من هذا العدو الخبيث ، وهذا الخوف من الشيطان وإغوائه ، يدفع المسلم إلى الالتجاء الدائم إلى الله تعالى ، والتوكل عليه والاستعانة به على هذا الشيطان الرجيم الذي لا هم له إلا إغواء الإنسان ، وجره إلى الخطيئة ، ولا شك أن التوكل على الله ، والاعتماد عليه من أعظم الأسباب ، لدفع شر الشيطان ، (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) كما قال ربنا.على الدعاة تبصير الناس بما قلناه :قلنا : إن خطر الشيطان على الإنسان خطر كبير لقابلية وقدرة الشيطان على الإغواء ، وقابلية الإنسان لتقبل هذه الإغواء ، وهذا يستدعي أن يقوم الدعاة بتبصير الناس بذلك ، وأن يفهموهم بأن التجاءهم إلى الله ، وتوكلهم عليه لدفع شر الشيطان عنهم ، من الأمور الضرورية لدفع هذا الشر عنهم ، ولكن التوكل على الله في هذه المسألة لا يعني ترك الحذر من الشيطان ، وترك الوسائل التي تبعد شروره ووسوسته ، لأن الأخذ بالوسائل المشروعة من الأمور المطلوبة ، ولكن الاعتماد للوصول إلى المطلوب لا يكون عليها ، وإنما يكون بالتوكل على الله تعالى ، فعلى الدعاة تفهيم المدعوين بما قلناه ، أي بالحذر من الشيطان باتخاذ الوسائل الوقائية المشروعة منه مع التوكل التام على الله في الخلاص من شر الشيطان.
  • خامساً : ضرورة التوبة والاستغفار :عندما وقع آدم وزوجه في المعصية ، ناداهما ربهما مذكراً لهما بنهيه عن الأكل من الشجرة التي عين لهما ، فسارع آدم وزوجه إلى الاعتراف بالذنب طالبين المغفرة والرحمة من ربهم الكريم ، قال تعالى : (فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين. قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).هكذا : اعتراف سريع بالذنب ، مقرون بندم شديد ، مفهوم من قولهما : (ظلمنا أنفسنا) ، وتوبة خالصة مقرونة برجاء قبولها ، لئلا يكونا من الخاسرين الهالكين ، وهذا يفهم من قولهما : (وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فإذا كان آدم وزوجه لم يستغنيا عن التوبة ، وطلب المغفرة من الله تعالى مع علوم منزلتهما ، فالواحد منا أولى بذلك ، وقد بادرا إلى التوبة دون إبطاء ، وهكذا يجب أن يفعل المسلم إذا وقع في المعصية ، وعلى الدعاة تفهيم الناس ذلك وتبصيرهم به.وشيء آخر نستفيده من توبة آدم وزوجه ، أن المسلم يمكن أن يصدر منه العمل السيئ ، والمخالفة لأمر الله ، أي الوقوع في الذنب ، ولكن الشأن بالمسلم الإسراع إلى التوبة ، جاء في الحديث الشريف (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) والله تعالى يحب العفو والتوبة على عباده ، والمغفرة لذنوبهم ، جاء في الحديث النبوي الشريف (لولا أنكم تذنبون فتستغفرون لخلق الله تعالى خلقاً يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم) ذكره الرازي في تفسيره ، وقال عنه : رواه مسلم. وفي الحديث القدسي (يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي ، فاستغفروني أغفر لكم) فعلى الدعاة تبصير المدعوين بذلك مع تحذيرهم من سوء فهم هذه الأحاديث النبوية الشريفة ، فالذنوب ليست مطلوبة ، ولا يؤمر بها المسلم ، ولكن وقوعها منه غير مستغرب ، لأنه غير معصوم ، فإذا كان صدور الذنب منه ، لكونه غير معصوم ، فعليه التوبة ، والله يحب الراجعين إليه ، المقرين بذنوبهم ، الطالبين الراجين رحمة ربهم ، والله عفو غفور يحب العفو ، ويغفر لعباده المذنبين التائبين ، وهذا من مقتضى كونه تعالى (غفوراً) و (رحيماً) والإنسان خلق على نحو يمكن صدور الذنب منه ، والله شاء أن يخلقه هكذا ، أي على هذه الصفة ، وبهذه الكيفية ، التي يمكن أن يصدر عنها الذنب.
  • المبادرة إلى التوبة :وعلى الدعاة تذكير المسلمين بضرورة المبادرة إلى الاستغفار والتوبة دائماً ، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : (توبوا إلى الله فإنني أتوب إليه في كل يوم مائة مرة) وتعليل المبادرة إلى التوبة ، أن الذنب كالوسخ في الثوب ، فإن لم تسارع إلى إزالته ، فقد يصعب عليك إزالته مستقبلاً ، لتمكنه واستقراره في الثوب ، وكذلك الذنب يؤثر في قلب الإنسان ، فإن لم يعاجل بالتوبة التي هي بمثابة الغسل للثوب الوسخ ، فقد يتمكن هذا الذنب في القلب ، ومن آثار تمكنه قسوة فيه ، وجرأة على ارتكاب ذنب آخر ، وفي الحديث : (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) ولا شك أن التوبة أمر حسن ، فإذا وردت السيئة التي عملها الإنسان ، وتركت أثراً في قلبه ، فإن هذه الحسنة – التوبة – تمحو أثر السيئة ، فيرجع القلب إلى قوته وسلامته.وقد يكون من المفيد أن يذكر الدعاة للناس وهم يتكلمون عن قصة آدم ، أو يتكلمون في موضوع الاستغفار والمبادرة إلى التوبة ، أن يذكروا لهم أن التوبة تقوم على ثلاثة عناصر : الندم على اقتراف الذنب ، والإقلاع عنه حالاً ، والعزم على عدم العود إليه مستقبلاً ، وينضم إلى هذه الثلاثة عنصر آخر هو رد الحقوق إلى أصحابها إن كان الذنب يتعلق بغصب حقوق الآخرين.وعلى الدعاة تفهيم المسلمين بأن التسويف والتأجيل في التوبة من خداع الشيطان ومكايده ، وربما ألقى في نفس الشاب الذي استزله بأنه شاب والأيام أمامه كثيرة ، وأن تأخير التوبة لا يضره ، بل سيعطيه فرصة لإشباع شهواته ورغباته ثم بعد ذلك يتوب. فهذا وأمثاله من نفث الشيطان ، فعلى الدعاة تحذير المسلمين من ذلك بأن يذكروهم بأن أجل الإنسان – أي وقت موته – مجهول ، وقد يحضره الموت وهو متلبس بالآثام ولا يجد فرصة ليتوب ، لأن الموت قد يحل بالشاب قبل الشيخ الهرم، بل إن الموت في الشباب أكثر بدليل أننا لو أحصينا عدد الشيوخ في قرية لوجدناهم أقل عدداً من الشباب ، وهذا يعني أن الذين نجوا من الموت من الشباب حتى صاروا شيوخاً كانوا أقل ممن حصدهم الموت وهم شباب .ثم يقال على سبيل التمثيل والتوضيح : إن الذنوب والمعاصي كالسموم في بدن الإنسان ، وكالأقذار على جسم الإنسان ، فهل من الحكمة ترك السموم في البدن مع القدرة على إخراجها ؟ وهل من الحكمة ترك الأقذار على جسم الإنسان مع القدرة على إزالتها ؟ والذنوب والمعاصي أشد ضرراً على الإنسان من هذه السموم والأقذار ، لأن غاية ما تفعله أنها تمرض الإنسان ، أو تميته ، والموت عاقبة كل حي. أما الذنوب والمعاصي فإنها تمرض القلب ، وتقسيه ، وتمحق نوره ، وتفقده حساسيته وقدرته على رؤية الحق ، قال تعالى : (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) ، أي غطى على قلوبهم ما كانوا يكسبونه من الإثم والمعصية والقلب الذي يتعود على المعصية ينطمس ويظلم ويرين عليه غطاء كثيف يحجب النور عنه ، ويحجبه عن النور ، ويفقده الحساسية شيئاً فشيئاً حتى يتلبد ويموت ، وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (إن العبد إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب منها صقل قلبه ، وإن زاد زادت ، فذلك قول الله تعالى : (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) وقال الحسن البصري : الرين هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت. وإذا وصل الإنسان إلى هذا الحد ، فإنه لا يستطيع التوبة حتى لو أرادها ، لأنه لم يعد يندم على معصية فعلها ، أو هو متلبس بها ، وليست له قدرة على الإقلاع عنها حالاً ، ولا عزم لديه على عدم العود إليها مستقبلاً ، وهذه الثلاثة هي أركان أو عناصر التوبة، فكيف يمكنه أن يتوب ؟
  •  دروس أخرى :-
  • أولاً : إبليس هو العدو لآدم وزوجه وذريتهما :إبليس هو العدو لآدم ، لأنه بسبب امتناعه عن السجود له طرده الله من رحمته ، ولعنه فصار عدواً لآدم ، ثم سحب إبليس هذه العداواة إلى زوجة آدم وذريته ، لوجود صلة بينهما وبينه وأعني بها صلة الزوجية بالنسبة إلى حواء ، وصلة البنوة بالنسبة لذريته.وقد أخبرنا الله تعالى بعدواته لآدم وزوجه وذريته في القرآن الكريم في آيات كثيرة نذكر منها ما يلي :
    أولاً : قال تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى {116}فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى {117} ،وإبليس اسم للشيطان ، وهو عدو لآدم وزوجه بصريح هذه الآية الكريمة.
    ثانياً : وقال تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا) إلى قوله تعالى : (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ {22}‏ ، فالشيطان عدو لآدم وزوجه.
    ثالثاً : ومن إخبارات الله تعالى لنا بعداوة الشيطان لذرية آدم قوله تعالى : ( قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) ، والمراد بـ ( لأزينن لهم) أي لذرية آدم عليه السلام، فإبليس لعنه الله لعداوته لذرية آدم يسعى إلى إغوائهم ، وتزيين الباطل لهم.
    رابعاً : قال تعالى : (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس قال ءأسجد لمن خلقت طيناً . قال أرءيتك هذا الذي كرمت عليّ لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً) ، أي لأضلن ذرية آدم إلا قليلاً وما إضلاله لذرية آدم إلا لعداوته لهم.
    رابعاً : عداوة الشيطان للإنسان حقيقية :
    ومن أجل ذلك وصف الله تعالى الشيطان بأنه (عدو) للإنسان ، والله جل جلاله عندما يصفه بهذا الوصف ، فهو وصف دقيق وصادق ومنطبق على الشيطان بكل ما تعنيه كلمة (عدو) ، وليس في إطلاقها على الشيطان أي معنى مجازي ، أو معنى فيه مبالغة ، وإنما هو وصف وإطلاق مطابق لواقع الشيطان ، ولطبيعته العدوانية للإنسان ، وبالتالي فالشيطان أحق المخلوقات بوصفه العدو للإنسان ، وإطلاق هذا الاسم عليه ، ومما يزيد في خطورة عداوة الشيطان للإنسان قدرته على الالتصاق بالإنسان ، ونفث وسوسته في قلبه ، جاء في الحديث النبوي الشريف (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) ، كما أنه يرانا هو وجنوده من حيث لا نراهم قال تعالى : (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ). والعدو يكون أشد ضرراً وخطراً إذا كان يأتينا ويصوب سهامه نحونا من حيث يرانا ولا نراه.
    خامساً : الأمر باتخاذ الشيطان عدواً :ولما كان الشيطان عدواً للإنسان ، وقد يغفل عن عداوته أو لا يهتم بها فإن الله تعالى أمرنا أمراً تشريعياً تكليفياً باتخاذه عدواً لنا ، قال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً) ، أي فعادوه ولا تطيعوه ، ومن لوازم كون الشيطان عدواً لنا أن لا نتولاه ، أي لا ننصره بطاعته ولا ننتصر به ، قال تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً {50}.
    سادساً : ضرورة الحذر من الشيطان :ومن لوازم أو مقتضيات عداوة الشيطان الثابتة لنا أن نحذره ، لأن العدو يحذر ، ولا يؤمن شره ، ولا يطمأن له ، لأنه يريد الإضرار والإيذاء بمن يعاديه ، وهذا ما يريده الشيطان بعداوته للإنسان ، والإضرار الذي يريده الشيطان بالإنسان هو إضلاله وحرفه عن الدين الحق – الإسلام - ، وعن طاعة الله ، ولا فعل أقبح ولا أضر بالإنسان من الحيلولة بينه وبين طاعة الله.هذا وإن عداوة الشيطان ظاهرة بينة ، ولهذا وصفه الله تعالى بقوله : (إنه لكم عدو مبين) قال الإمام القرطبي في تفسيره في الآية : (أخبر تعالى بأن الشيطان عدو ، وخبره تعالى حق وصدق ، فالواجب على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أظهر وأبان عداوته من زمن آدم عليه السلام ، وبذل نفسه وعمره في إفساد أحوال بني آدم ، وقد أمر الله بالحذر منه ، فقال تعالى : (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) ، وقال تعالى : (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) ، وهذا غاية في التحذير من هذا العدو المبين).والمقصود بالحذر من الشيطان الاحتراس ، والاتقاء من شروره باليقظة الدائمة ، والاحتراز عن الأسباب التي تحقق غرضه في الإضلال والإغواء.والحذر ، وهو وسيلة لاتقاء شرور الشيطان ، واجب شرعي ، لأنه من لوازم اتخاذ الشيطان عدواً ، ولأنه وسيلة لمنع إضلاله ، أو الوقاية من هذا الإضلال ، ولبقاء المسلم على طاعة ربه ، وهذه كلها تدخل في حيز الواجب ، لأنها وسيلة لواجب البقاء على طاعة الله ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وكذلك في قوله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ) الآية تحذير واضح من الوقوع في إغواء الشيطان ، وهذا يتضمن الأمر بأخذ الحذر المطلوب ، لئلا يحصل مراد الشيطان ، وهذا يعني وجوب الحذر منه.
    سابعاً : وجوب الحذر على الدعاة :والحذر من الشيطان واجب شرعي على المسلم كما بينا ، وهذا الوجوب آكد على الدعاة من غيرهم ، لأن الشيطان في غيظ شديد منهم لما يقومون به من دعوة إلى الله تعالى ، وهو ما يؤذي الشيطان ويزعجه ، فيبذل كل جهده للإيقاع بهؤلاء الدعاة وصرفهم عن الدعوة بأي وسيلة يستطيعها. والثغرة التي يلج منها الشيطان إلى الدعاة لصرفهم عن الدعوة هي غفلتهم عنه ، وعدم حذرهم منه إما لوثوقهم من أنفسهم ومن إيمانهم ، وإما لقصور معرفتهم بمكايد الشيطان. وعلاج السبب الأول وهو وثوقهم من أنفسهم وإيمانهم – فيكفي أن نذكرهم بقصة آدم وكيف استطاع الشيطان أن يستزله ويوقعه وزوجه في الخطيئة ، والدعاة ليسوا أكثر إيماناً من آدم عليه السلام ، قال تعالى محذراً : (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ) ، وأما قصورهم في معرفة مكايد الشيطان ، فعلاجه تدبر القرآن فيما ذكره من أساليب الشيطان وأفعاله في إغواء الإنسان ، والتي سنذكر بعضها فيما بعد إن شاء الله تعالى ، والذي يوقعهم فيه غالباً هو الحسد ، والعجب بالنفس ، والغرور والكبر ، وهذه من الكبائر المهلكات التي يجب على الدعاة الحذر منها.
    ثامناً : على جماعة الدعاة الحذر من الشيطان :وكذلك يجب على جماعة الدعاة الحذر من الشيطان ومكايده ، والذي يوقعها فيه غالباً هو الحسد ، والعجب بالنفس والرياء ، فمن العجب الذي وقعت به جماعة المؤمنين ما جاء في القرآن الكريم ، قال تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ {25} أي فاعتمدتم على كثرتكم التي أعجبتكم حيث قلتم : لن نغلب اليوم من قلة فلم تغن عنكم شيئاً من أمر عدوكم مع قلتهم. حيث حلت بكم الهزيمة من أول المعركة ، ووليتم مدبرين ، ثم رجعتم إلى المعركة فكان النصر والظفر للمسلمين ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث ثبت في المعركة مع نفر قليل جداً من المسلمين ، فكان ثباته صلى الله عليه وسلم سبباً لرجوع الفارين إليه ، وقتالهم للمشركين ، ثم انتصارهم عليهم – فبين الله تعالى في هذه الآية أن الغلبة تكون بتأييد الله وليس بكثرة عدد المسلمين.
    تاسعاً : على جماعة الدعاة أن لا تعجب بنفسها :وعلى جماعة الدعاة أن لا تقع في رذيلة (العجب بالنفس) لما ترى من كثرة أعضائها ، ومنزلتها الرفيعة بين الناس ، فتعتمد في بلوغ أهدافها على كثرة عدد أعضائها ، ومكانتها عند الناس ، ولا تتطلع إلى تأييد الله ونصره ، فيتخلى الله عنها ويكلها إلى نفسها ، ولا يمدها بتأييده فتهلك ، وهذا لا يعني أن جماعة الدعاة لا يجوز لها أن تحرص على تكثير عدد أعضائها ، ولا على ترسيخ مكانتها في المجتمع ، وإنما الذي أعنيه أن لا تعجب بنفسها عندما ترى تكاثر عدد أعضائها ، وعلو منزلها في المجتمع فيصيبها الغرور والعجب بالنفس فيكون اعتمادها في بلوغ أهدافها على كثرة أعضائها ، وعلو منزلتها بين الناس ، فتقع في الوهم والخطأ ، لأن نصر المسلمين كان بطاعتهم لله ، وتأييده لهم ، وليس لكثرة عددهم ، ولهذا فإن من عوامل فشل الجماعة إعجابها بنفسها ، ومن عوامل نجاحها المهمة اعتمادها وتوكلها على الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب الشرعية للنصر.
    عاشراً : وقوع جماعة الدعاة في رذيلة الرياء :من الرياء الذي قد تقع فيه الجماعة المسلمة – بتزيين الشيطان – ما حذرنا الله منه ونهانا عن الوقوع فيه ، قال تعالى : (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ) أي لا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً أي فخراً بالشجاعة ، ورئاء الناس أي طلباً للثناء بالسماحة والشجاعة ، ومعنى الآية : لا يكن أمركم رياء ولا سمعة ولا التماس ما عند الناس ، وعليكم بإخلاص النية لله في نصر دينكم ؛ فعلى الجماعة المسلمة أن لا تنطلق في أعمالها من منطلق طلب السمعة والرياء ، وأن لا تنزلق في متابعة أهواء الناس على حساب مخالفة الشرع طلباً لثناء الناس عليها ، ومدحهم لها ، لأنها إن فعلت ذلك فقدت الإخلاص لله في عملها ، وتخلى الله عنها ، ووقعت في مخالفة الشرع في طلبها رضا الناس وثنائهم عليها ، فيصيبها ما جاء في الأثر (من طلب رضا الناس بسخط الله أسخط الله عليه الناس ولم يرض عليه الله تعالى ، لأنه رضا الله على عبده بقيامه بما يرضيه لا بما يسخطه.
  • الحادي عشر : على الجماعة المسلمة أن تعلم أنها جماعة مسلمة :
    وعلى الجماعة المسلمة ، جماعة الدعاة إلى الله ، أن تفقه جيداً بأنها جماعة مسلمة. ومعنى كونها (مسلمة) أنها تلتزم بأحكام الإسلام في جميع أعمالها وتصرفاتها مع الآخرين ، وفي المواقف التي تقفها وتأخذها إزاء الأحداث المختلفة، وأن لا تلتفت إلى ما يهواه الناس ، ويريدونه منها في هذه الأمور ، إذا كان ما يهوونه ويريدونه مخالفاً للشرع ، إن على الجماعة المسلمة أن تجعل ما قلناه قاعدة شريعة تثبت عليها ، وتعمل بمقتضاها ، ولا تحيد عنها أبداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق