الاثنين، 26 نوفمبر 2012

الـــشــــــــــــورى



الشورى أهم الخصائص التي تميز السياسة الإسلامية عن السياسة الجاهلية ، ويسمى النظام السياسي الإسلامي ( نظام الشورى ) لهذا السبب ، وقد صدرت عدة كتب عن الشورى في السنوات الأخيرة ([i]) ولا يريد الباحث أن يكرر ما جاء فيها ، إنما يركز على مايراه هاماً وضرورياً من خلال النقاط التالية :
الشورى أمر رباني للفرد وللمجتمع
 تتصف الشورى بأنها الركن السياسي الذي ورد ذكره في القرآن الكريم ، قال تعالى { والذين اسـتجابوا لربهم وأقاموا الصلاة ،وأمرهم شورى بينهم ، ومما رزقناهم ينفقون ، والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون }( الشورى 38،39) ولأهمية الشورى فقدأمرنابها ربنا عزوجل في هذه الآية ،وجعلها في أمر واحد بين الصلاة والزكاة، وجعلت هذه الصفات للذين استجابوا لربهم، فالصلاة والشورى والزكاة من نتائج الاستجابة للـه عزوجل ، ومن صفات{ الذين آمنواوعلى ربهم يتوكلون }، وبماأن سورة الشورى مكية يتضح لنا أن الشورى صفة من صفات المسلم، أي مسلم ،وليس الأمير فقط ، وأن الشورى ملازمة للدعوة الإسلامية ، في مراحلها كلها، عند تكوين الفرد المسلم ، والجماعة المسلمة ، والدولة المسلمة .(ومادامت الشورى صفة لازمة لكل مسلم لايكمل إيمانه إلا بتوفرها ، فهي إذن فريضة إسلامية واجبة على الحاكمين والمحكومين. قال تعالى في كتابه العزيز مخاطباًرسوله r{ فبما رحمة من اللـه لنت لهم،ولو كنت فظاًغليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر،فإذا عزمت فتوكل على اللـه إن اللـه يحب المتوكلين }( آل عمران159 ) . وقال القرطبي رحمه اللـه قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب وهذا لاخلاف فيه ، وقال ابن تيمية يرحمه اللـه(لاغنى لولي الأمر عن المشاورة ،  فإن اللـه تعالى أمربها نبيه r ، وروي عن أبي هريرة رضي اللـه عنه قال (لم يكن أحد أكثر مشاورة لأصحابه من رسول اللـه r ( الترمذي  213 )، وقد قيل أن اللـه أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه ،وليقتدي به من بعده ، وليستخرج بها منهم الرأي فيمالم ينزل فيه وحي ...،  ويقول سيد قطب يرحمه اللـه لقد جاء هذا النص {وشاورهم في الأمر } عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة ، فقدكانت محنة أحد، ولم يكن رسول اللـه r يجهل النتائج الخطيرة من جراء الخروج ، فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة التي رآها، وقد تأولها قتيلاً من أهل بيته، وقتلى من أصحابه ، وتأول المدينة درعاًحصينة ، وكان من حقه أن يلغي مااستقرعليه الأمر نتيجة الشورى ، ولكنه أمضاهاوهو يدرك ما وراءها،لأن إقرار المبدأ وتعليم الجماعة وتربية الأمة ؛ أكبر من الخســائر الوقتيـة ، وأمام النتائج الخطيرة التي انتهت إليها المعركة يقول تعالى{ فاعف عنهم ،واستغفر لهم ،وشاورهم في الأمر} ليقررالمبدأ في مواجهة أخطرالأخطارالتي صاحبت استعماله ، ويثبت هذا القــرار في حياة الأمة المسلمة أياًكانت الأخطارالتي تقع أثناء التطبيق ، لأن وجود الأمة الراشدة مرهون بهذاالمبدأ ، ووجود الأمة الراشدة أكبر من كل خسارة أخرى في الطريق .       وهكذا حاول الباحث أن يشير إلى أهمية الشورى للمسلم،وللمجتمع المسلم ، لأن وجود الأمة المسلمة ، بل المجتمع المسلم مرهون بهذا المبدأ ، ولابدأن يتصف الفرد بالشورى حتى تدخل في عظمه ودمه ، فيصطبغ بها كله ، وعندئذ تصبح ممارســـتها في الحياة الاجتماعية أمراً ميسوراً .      وممايلفت النظرأن كثيراً من المسلمين اليوم ،مازالوا يحصرون الإسلام في الشعائرالتعبدية فقط، ومازالت هذه الصورة الكنسية للدين تستعمر عقولهم، وقليل من المسلمين يخطر في باله أنه يأثم إن لم يشاور، فكل مسلم فرضت عليه الشــورىكماسنرى وقليل من المسـلمين يشــاورون ، وقليل ممن يشــاورون يلتزمون بالشورى  .       ولا يخطر في ذهن كثير من المسلمين أن يهمل صلاة واحدة والحمد للـه على ذلك  لأن الصلاة فريضة ، وإن فاتته لعذركالنوم مثلاً؛ أسرع إلى قضائها، واستغفر ربه عما حصل  ،  وآلمه ذلك، ولو تأخر المسلم في سحوره مثلاً سارع إلى العلماء يسألهم هل صح صيــامه ؟ أم ماذا يفعل ؟ وكذا في الــزكاة والحج ، وهذه من نعم اللـه على المسلمين ، ومما يسر المسلم أن يرى ذلك، لكن لماذا يهمل المسلم الشورى؟ مع أنها مفروضــة عليـه كذلك؟ تجده يهملهـاعـن قصد أوعـن جهل، ولايشـعر بغضاضة في ذلك ،كما يهمل البيعة والطاعة دون أن يتألم كما تألم عندما يفوته وقت الصلاة ، وسبب ذلك الفهم الجزئي للإسلام الذي كرس أعداؤنا وقتهم وعمرهم ليزرعوه في المسلمين ، وقد نجحوا إلى حدكبير . فما زال مفهوم الإسلام الشامل سطحياًلدى المسلم المعاصر، ومفهوم الانقياد التام للـه عزوجل الذي ركزنا عليه عند تعريف الإسلام ، فالمسلم عبد للـه عزوجل في صلاته وصومه وزكاته وحجه ، وفي علاقته بنفسه وزوجته ، وفي علاقاته بالمجتمع (السياسة)، وفي بيعه وشرائه ، وسائرشئون حياته ، هذا هو الانقياد التام للـه عزوجل
الشــورى صفة لكل مسلم 
       أمرنا ربنا بالشورى في سورة مكية ، عندما لم تكن هناك دولة ، ولم يكن سوى عشرات من الأفراد المسلمين ، ونفهم من ذلك أن الشورى صفة لكل مسلم ،  فعن عبد اللـه بن عمر رضي اللـه قال سمعت رسول اللـه r يقول [كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته ،والرجل راع في أهله وهومسؤول عن رعيته ،والمرأة في بيت زوجها راعية ، وهي مسؤولةعن رعيتها ،  والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته ]، قال فسمعت هؤلاء من النبي r ، وأحسب النبي r قال [والرجل في مال أبيه راع ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته ] ( جامع الأصول ،4/50 ) وهكذا فالشورى مفروضة على الأمير وكل من هو على الناس ، كالوزير ومدير المدرسة أو مدير المؤسسة ، والمدرس في الفصل ، والأب أمير في البيت والشورى مفروضة عليه ، وتشاورالمرأة زوجها وأولادها في شئون بيتها، ولاتنفرد برأيها في الأسـرة ، كمالاينفـرد الأب برأيه في أسـرته ، ويشـاورالموظف غيره ليقوم بواجبه خير قيام ، ويتدرب الصغار على الشورى في البيت والمدرسة ([ii]) . وقد قرن اللـه عزوجل الشورى بالصلاة والزكاة فدل على أن حكمها كحكم الصلاة ، فقال تعالى{ والذين استجابوالربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم}( الشورى38) وقال صاحب الظلال(والتعبير يجعل أمرهم كله شورى ،ليصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة ، وهوكما قلنا نص مكي ، كان قبل قيام الدولة الإسلامية 
 الشورى خلق إسلا مي      
  جاء في الحديث القدسي قوله تعالى [... ياعبادي لوأن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ؛ ما زاد ذلك في ملكي شيئاً] ([iii]إنما تعود الفوائد على العباد، ومن هذه الشورى ، فقدفرضها اللـه عزوجل على المسلمين لأنهاتعود عليهم بالخير والمنفعة في الدنيا والآخرة . وقدخلق اللـه الإنسان وهو أعلم بماخلق إذ ركب فيه دافع الأنانية وحب الذات ، ليحفظ الإنسان ذاته ، وجعل اللـه هذا الدافع في جميع الكائنات الحية ، وجعل الغريزة في النبات والحيوان ليمارس كل منهما دافع الحياة بشكل موزون ، أما الإنسان فأعطاه العقل وجعله يتحكم في غريزته ، ليوازن حياته بعقله ، ( وغاية مايصل إليه العقل اتباع الشريعة )، ولكن الإنسان يضعف أحياناًويهمل عقله ، فتغلبه غرائزه وشهواته ويتضخم عنده حب الذات . ونلمس حب الذات متضخماً عند الكفـار والملحـديــن ، حيث أنهم يظنون أن الدنيا هي الفرصة الوحيدة، لذلك يسارع أحدهم إلى الشهوات فتتضخم ذاته، وتزداد أنانيته ، حتى وصلت عندهم إلى قتل أولادهم بما يسمونه تحديد النسل، حتى لايشاركهم هؤلاء الأولادفي ملذاتهم.         والشورى من كوابح حب الذات والأنانية، وربط للفرد المسلم بإخوانه المسلمين، فتصبح جماعة متماسكةبعدأن كبحت أنانيات أبنائها.والشورى إذن خلق إسلامي، والمسلم الذي لايتصف بالشورىناقص الإيمان ، وفي أخلاقه فجوة كبيرة خطيرة، ولاتظهر هذه الفجوة إلاإذاصارأميرأ ومسؤولاً ، فتراه يفرض عليهم أنانيته وحبه لذاته، والشورى صفة إسلامية ؛ تحلى بهارسول اللـه r ، والمنافقون لاتعجبهم الصفات والأخلاق الإسلامية لذلك عابوا على رسول اللـه r ذلك الخلق ؛ وقالوا عنه ( أذن ) أي يسمع مايقوله أصحابه ويصدقهم ، قال تعالى {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ، قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ، ورحمة للذين آمنوا منكم ، والذين يؤذون رسول اللـه لهم عذاب أليم}( التوبة 61) ..

وخلاصـــــة القــول :

        يقبل بعض الشباب المسلم حالياً على الاستخارة كما وصى رسول اللـه r ،وهذه نعمةكبيرة تسر المؤمن، لكن لوربطواالاستشارة بالاستخارة لكان خيرًا لهم، فيتحقق عندئذ[ماندم من استشار وما خاب من استخار] . والمسلم الذي اتصف بالشورى يتخلص من الأنانيةوحب الذات ، فمن صورالأنانية أن الأناني يرى نفسه عظيماًجداً، ويرى الآخرين صعاليك بجواره، لذلك يترفع عن مشاورتهم ، ويراها إضاعة للوقت لافائدة منها، أما رسول اللـه r فكان هديه في حياته كثرة الشورى ، بل كان أكثر الناس استشارة لأصحابه ، وأحياناًكان يستشير في قضاياه الخاصة وشئون أهل بيته . حتى أن المشركين عيروا رسول اللـه r وقالوا عنه (أذن) أي يسمع كلام أصحابه كثيراً،وهذا دليل على كثرة مشاورته r لأصحابه . وكان يأخذ بمشورتهم ولايستبد بالرأي دونهم.        وعندمانقول الشورى لكل مسؤول ،والفرد المسلم مسؤول عن نفسه أولاً، مسؤول عنها أمام اللـه عزوجل ، يشـــاورمن يثــق بدينهم في أمورنفســه الشخصية لأنه مسؤول عنها أمــام اللـه، ومسـؤول عن أسـرته ، ومرؤوسـيه ...الخ ، وعندما نقول الشورى لكل مسلم ؛ نهدف أن يتدرب المسلمون على الشورى ، حتى إذا كان أحدهم أمير اًصغيراً أو كبيراً ، أو إماماًكانت الشورى صفة ملازمة له ، تدرب عليها ومارسها حتى صارت سجية له ، فمارسهاعندماكان مسؤولاًعن نفسه ، وعن أسرته ... أما عندما ينشأ المسلم على الفردية والأنانية ،حتى إذا صارأميراً ألزمناه بالشورى فلايستطيع ذلك وإن حاول ، وقد يحاول فيحيط نفسه بمظاهر الشورى ،كما هو الحال في مجالس الشعب في بعض الدول ، تجتهد في معرفة ما يفكر فيه الزعيم الأوحد ثم تتسابق إلى تقديمه ليصدق عليه المجلس بالإجماع.  
    الشـورى ملزمـة والاستشـارة معلـمة : 
      من أكثر القضايـا السـياســية التي دارحولها الخلاف والمناقشــة في عصرنا ؛ إلزامية الشورى،  وانقسم  المفكرون إلى فئتين  إحداهما تقول بإلزامية الشورى ، والثانية ترى أن الشورى معلمة وغير ملزمة .      وتكون الشورى ملزمة عندمايلتزم الأمير برأي أكثرية أهل الشورى عندما يخالف رأيه ،  فيلتزم برأيهم وينفذه ،  وتلتزم الاقلية برأي الأكثرية وتنشط لتنفيذه ، كما فعل رسول اللـه r يوم أحد ، كما سنفصل بعد قليل .     والشورى معلمة وغير ملزمة عندما يسمع الأمير آراء أهل الشورى ، فيوسع مداركه ومعرفته بالقضية ،  ثم يختار الرأي الذي يراه أصوب حسب قناعته هو ، كما أنفذ الصديق جيش أسامة ،  على الرغم من مخالفة أهل الشورى له بالرأي .      ولايـريـد الباحث الدخول في الجدل والنقاش المستمر، وسيشير إلى بعض النقاط الهامة في إلزامية الشورى  :1ــ (أولو الأمر ) الذين أمرنا اللـه بطاعتهم ، ورد هذا اللفظ الدال عليهم بصيغة الجمع، بل هو اســم جمع لامفـرد له من لفظه ؛ كمايقـول القرطبي، ويســتدل الباحث من ذلك على أن ( أولي الأمر )جماعة وليس فرداً، وإذا تعذرفهم ذلك في الماضي ؛ عندماكان الإمام مجتهداً،  فإن العصرالحاضر يشجع كثيراً على هذا الفهم ،حيث لايوجد  اليوم  الإمام المجتهد المتمثل في فرد واحد بعينه ،  وإنما يتحقق الاجتهاد اليوم من خلال مجموعة من العلماء من أهل الشورى .2ـ إذا كان أهل الشورى هم علماء المسلمين كلهم، وليسوا فئة منهم ، فيلزم الإمام أن يترك رأيه لرأيهم ؛ لأن خلاف الواحد لايقدح في الإجماع ، بل ينعقد الإجماع ولو خالف الواحد .3ــ رأي الأكثرية ملزم عند اختيار الخليفة لعدة أسباب :  أ ــ  لايوجد إمام يأخذ بما يرجح له .ب ــ يتعذر الإجماع في هذه الحالات ، ويجب على الأقلية الالتزام بقرارالأكثرية ،كما أوصاهم عمر رضي اللـه عنه .ج ــ تأخرالعدد القليل عن البيعةلم يؤثر في انعقاد بيعة الصديق،وعليt( قادري 93).4ــ يقول عبد اللـه قادري :( إن المتأمل في واقع السلف في الماضي ،وواقع المسلمين الآن سواء على مستوى بعض الحكومات ،  أم على مستوى الجماعات ، يرى أن لمن يقول بإلزامية الشورى في العصر الحاضر وجه من الصواب ...،  ويرى أن الظروف المعاصرة تحتاج إلى رأي جماعي يكون الصواب فيه أكثر من الخطأ. . 5ــ لايوجد مانع شرعي من إلزامية الشورى ، إذااتفق الأمير مع أهل الحل والعقد عند بيعته . بل تصبح عقداً لازماً يجب الوفاء به ، والأصل في العقود الإباحة ، قال ابن تيمية رحمه اللـه :( وبالجملة فجميع ما ينفع الناس من الشروط والعقود والمحالفات في الأخوة وغيرها ،  ترد إلى كتاب اللـه، وسنة رسوله r ،  فكل شرط يوافق الكتاب والسنة يوفى به ) ( الفتاوى35/97)6ــ يقول عبد القادر عودة رحمه اللـه  ( والواقع أن الشورى لن يكون لها معنى إذا لم يؤخذ برأي الأكثرية ،  ووجوب الشورى على الأمة المسلمة يقتضي التزام رأي الأكثرية ..7ــ يقول حسين جابر ( ص 95 )  ( الواضح من سنة رسول اللـه r أنه كان يأخذ برأي الأغلبية ( أغلبية أهل الشورى ) ، عندما يختلف أصحاب الشورى ، وروى أنس بن مالك رضي اللـه عنه قال : سمعت رسول اللـه r يقول [ إن أمتي لاتجتمع على ضلالة ،فإذا رأيتم اختلافاًفعليكم بالسوادالأعظم([iv]) ]، وقال المناوي ( فعليكم بالسواد الأعظم من أهل الإسلام) وقوله r لأبي بكر وعمر رضي اللـه عنهما [لواجتمعتما في مشــــورة ما خالفتكما ]([v]) وعن أبي ذر t عن النبي r أنه قال [إثنان خير من واحد، وثلاثة خيرمن اثنين، وأربعة خيرمن ثلاثة ، فعليكم بالجماعة، فإن اللـه عزوجل لن يجمع أمتي إلا على الهدى ]([vi]). 8ــ يقول حجة الإسلام الغزالي رحمه اللـه ( فإن اختلفوا كان النظرإلى الأكثرية ) (الإحياء 1/23). ويقول الماوردي رحمه اللـه  ( إذااختلف أهل المسجد في اختيارالإمام ؛ عمل على قول الأكثرية ) ( ص 10 ) . وقال صاحب المنار في سياق تفسيره لآيات معركة أحد  (....فإنه أخذ r برأي الأغلبية من الصحابة بالخروج ) ( تفسير المنار ) . وكذلك القاعدة الفقهية المعروفة  ( بالجمهور ) فإنها تعد ترجيح للأمرالمختلف فيه برأي الأكثرية ،  وفي علم الحديث فإن كثرة الرواة للحديث تجعله متواتراً أو مشهوراً ،وكثرة الطرق ترفع الحديث من الضعف إلى القوة ،  واعتبارهم مخالفة الثقة للثقات شذوذ ..9ــ ويقول الدكتور محمد أبو فارس (ص94): (إن الذي يرجحه العقل،وتميل إليه النفس، ويرتـاح اليه القلب من قـال إنه ينبغي ألايتجـاهل رأي أهل الشورى ، بل يلزم به الأمير ، وإن خالف رأيه ) . ( وقد تراجع المودودي رحمه اللـه عن قوله الشورىغير ملزمة الذي ورد في كتابه( نظام الحياة في الإسلام ) ، وقال بوجوب اتباع رأي الأكثرية لأن قاعدة ( وأمرهم شورى بينهم ) تتطلب التسليم بما يجمع عليه أهل الشورى أوأكثريتهم ،  أمالو كانت الشورى غير ملزمة فإنها تفقد معناها، فالله لم يقل  تؤخذ أراؤهم ومشورتهم في أمورهم وإنما قال  وأمرهم شورى بينهم وتطبيق هذا لايتم بأخذ الرأي فقط ، وإنما من الضروري أن تجري الأمور وفق ما يتقرر بالإجماع أوالأكثرية . ( كتاب الحكومة الإسلامية للمودودي ص 94)10ــ وقد سأل الباحث الشيخ سعيد حوى رحمه اللـه عن إلزامية الشورى فقال  الشورى ملزمة ، والنظام الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين الذي تركه الإمام حسن البنا رحمه اللـه ،  ينص على إلزامية الشورى ، وأكد الأستاذ صالح أبو رقيق  ( عضو مكتب الإرشاد لجماعة الاخوان المسلمين أيام البنا رحمه اللـه ) ، أن الشورى ملزمة عندالإمام حسن البنا ( مجلة المجتمع الكويتية)  .وجاء في القانون الأساسي واللائحة الداخليةللإخوان المسلمين( وتكون القرارات صحيحة (قرارات مكتب الإرشاد) متى صدرت عن الأغلبية المطلقة(النصف+1  للمجتمعين ) . ويكون الاجتماع صحيحاً( بالنسبة للجمعية التأسيسية ) إذا حضرته الأغلبية المطلقة ... وتكون القرارات صحيحة إذا صدرت عن الأغلبية المطلقة للحاضرين ( شقير ، 493). ومما يجدر ذكره أن الإمام البنا رحمه اللـه المرشد العام  هو رئيس مكتب الإرشاد ، ورئيس الجمعية التأسيسية ، ويحضر اجتماعاتهما ،  ويلتزم بقرار الأكثرية .

11ــ قابل الباحث عدداً من أمراء الحركات الإسلامية  بحكم إقامته في المدينة المنورة في مواسم الحج  وعرف منهم أن جماعاتهم تطبق إلزامية الشورى وهم الشيخ الدكتور عباس مدني ،  الأمين العام لجبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية ، والشيخ محفوظ النحناح ، أمير حركة المجتمع الإسلامي الجزائري ( حماس الجزائرية )،  والشيخ عبد اللـه جاب اللـه ؛ أمير حركة النهضة الإسلامية الجزائرية ، والشيخ راشد الغنوشي أمير حركة الاتجاه الإسلامي  في تونس . والشيخ سعيد حوى أحد القادة للإخوان المسلمين السوريين . كما التقى الباحث ببعض الأخوة السودانيين وعرف منهم أن الجبهة القومية الإسلامية في السودان تطبق إلزامية الشورى، والتقى أيضاً ببعض المجاهدين الافغان وعرف أنهم يطبقون إلزامية الشورى . وكذلك التنظيم العالمي للإخوان المسلمين فإنه يطبق إلزامية الشورى.

الفرق بين الشورى الملزمة والاستشارة المعلمة 

فصل الدكتور توفيق الشاوي هذه المصطلحات ،  ورأى أن عدم التمييز بينها سبب ذلك الجدل الطويل عن الشورى الملزمة والمعلمة ،  وهذه خلاصة لماقال :أولاً ـ الشــــورى الملـزمــة :  ومن أمثلتها :  1ــ تشاور أهل الحل والعقد بشأن قرار سياسي أو اجتماعي .. إلخ مثل اختيار رئيس أو ولي أمر ، أوأي شأن من الشئون العامة ، وصدر قرار بالإجماع أوالأغلبية منهم ،  فقرارهم في هذه الحالة ملزم . ومن الأمثلة على ذلك شورى الرسول لصحابته يوم بدر في قتال قريش بعد أن أفلتت منهم القافلة ، وشوراه r يوم أحد ، فقد نفذ الرسول r رأي الأغلبية بالرغم من أنه لم يكن مرتاحاًإليـــــه .  2ــ تشــاور أهـل الـحل والعقــد لوضع نظـام دســتوري ،وكان القرار بإجماع الجمهور ( الأغلبية ) فهذا ملزم أيضاً  .3ــ قـــرار المجتهدين وأهل العلم باستنباط حكم فقهي ،لم يرد بشأنه نص في الكتاب والسنة ، إذا صدر بالإجماع فهو ملزم وهو تشريع عندما تجمع عليه الأمة .ثانياً ـ الاستشارة المعلمــــة : ومن أمثلتها :  1ــ طلب الفرد مشورة غيره في أمر شخصي ، فالفرد المستشير غير ملزم بما أشار به المستشار .2ــ إذا طلبت هيئة( أهل الحل والعقد مثلاً) أو شخص ، أو مؤسسة مااستشارة خبيرذي اختصاص ، للاستعانة برأيه في اتخاذ القرار ؛ فإنها غير ملزمة بما أشار به هذا الخبير  .3ــ طلب الحاكم أو القاضي استشارة من الخبيرأوالمستشارأومجتهد ، فإنه غير ملزم بما أشار به . ومن أمثلة ذلك  :أ ــ استشارتهr بعض أصحابه في حديث الإفك ، وهو قضية شخصية  .ب ــ الاستشارة التي قدمها الحباب بن المنذر يوم بدر بتغيير المكان الذي نزل فيه الجيش، فقد أخذ بها الرسولr لاقتناعه بها ، وليس لأنه ملزم بها  .ج ــ استشارة الرسولr بعض أصحابه في أسرى بدر، وقد أخذ الرسول r برأي أحد مستشاريه عندما اقتنع به ، ولم يكن ملزماًله  .د ــ اقتناعهr برأي سلمان رضي اللـه عنه يوم الأحزاب فحفرواالخندق حول المدينــــة .هـ ــ  استشارr السعدين رضي اللـه عنهما يوم حصار الأحزاب للمدينة في المصالحة مع بعض طوائف الأحزاب ، على أن يدفع لهم ثلث ثمار المدينة نظير جلائهم عنها ، ولكنه اقتنع برأيهما وعدل عن هذا الاقتراح ( الشاوي ، 101،130، 133) . ونختم هذا المبحـث بالدعــاء إلى اللـه عزوجل أن يعلمنا ديننــاويرزقنـا اتبــاعه ، إنه لطيف خبـير .       وخلاصــة القول أن الدكتور توفيق الشـاوي جاء بجديد ؛ وهو أن الشورى ملـزمـة ، والاستشارة معلمة ، والشـورى تكون في الأمور العامة غالباً ، وتمارس من خلال مجلـس الشورى ، أو أهل لحل والعقد ، وما شابه ذلك . أماالاستشارة فغالباً ما يطلبه الانسان العادي ( غير الأمير ) في شـؤونه الخاصة ، وقد يطلبها الأمير من فرد أو أكثر بسبب خبرتهم ودرايتهم في الموضوع .    

([i]) ــ منها الشورى لعبدالله قادري ـ وملامح الشورى لعدنان النحوي ، وشورى لاديموقراطية للنحوي ، وفقه الشورى والاستشارة لتوفيق الشاوي ، وعولجت الشورى في التشريع الجنائي وأوضاعنا السياسية لعبد القادر عودة ، والنظام السياسي لمحمد عبدالقادأبو فارس ، والطريق إلى جماعة المسلمين لحسين جابر يرحمه اللـه ، والنظام السياسي لمحمد سليم العوا ، والشورى في الإسلام لمحمود بابللي ، ومبدأ الشورى في الإسلام ليعقوب المويلحي ، والنظريات السياسية لمحمد ضياء الدين الريس ، والخلافة والإمامة لعبد الكريم الخطيب ، وغيرها .
([ii]) ــ صدر للباحث كتاب عنوانه : كيف نربي أولادنا على الشورى .
([iii]) ــ جامع الأصول (11/3) ، ومسلم رقم (2577) في البر والصلة ، باب تحريم الظلم .
([iv]) ــ ابن ماجة (2/1303) وذكره السيوطي في الجامع الصغير وصححه ، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1844)وقال الشطر الأول منه صحيح ، وهو عند أحمد في عدة مواضع منها (4/978) .
([v]) ـ أحمد (4/227) وذكره ابن حجر في الفتح (13/340) : لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً .
([vi]) ــ أحمد (5/ 145) والترمذي (4/466) وصححه السيوطي في الجامع الصغير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق