تربية الأبناء بطريقة مثالية هو ما يتمناه الآباء، لكن قد يعتقدون أن في شدتهم وصرامتهم، إنقاذا لأبنائهم من شبح الإهمال ورداءة التحصيل العلمي، متناسين أن الحياة اختلفت وطرق التربية قد تطورت وأخذت مناحي جديدة، ينصح بها دائما علماء النفس والتربية. الأربعيني خالد محمد ينتهج الشدة كأسلوب في تربية أبنائه، مؤكدا أن ما تربى عليه وإخوته كان السبب وراء نجاحهما في الحياة، معتقدا أن جيل اليوم لا ينفع معه الدلال، ولا يأتي إلا بالشدة والصرامة، "فهما أمران ضروريان في التربية، والدلال بكافة أشكاله يفسد الأبناء وتربيتهم" بحسب ما يرى. ويؤكد أن شدته على أبنائه، هي التي تدفعهم لأن يدرسوا بشكل أفضل، وليبقوا دائما حريصين على متابعة دروسهم وواجباتهم، والحفاظ على تفوقهم العملي. وتعزو الثلاثينية ورود الحياري، انتهاجها الشدة كأسلوب في التربية، بسبب غياب زوجها لساعات طويلة خارج البيت بحكم عمله، الأمر الذي يتطلب منها أن تلعب دور الأب والأم معا في المنزل. وتقول "الشدة أمر ضروري، خصوصا وأنني أقضي ساعات طويلة بمفردي مع أبنائي، لذلك لا بد أن يكون هناك نوع من الصرامة في التربية، مع غياب الأب عن البيت حتى أتتمكن من الإمساك بزمام الأمور". ولكن علي الحسيني (8 أعوام) ينزعج كثيرا من أسلوب والده، الذي يميل إلى الأسلوب الصارم في كل شيء، حتى في مواعيد تناول الطعام، الأمر الذي يسبب له ولإخوته كثيرا من التوتر والقلق، "لا يمكنني أن أفكر بعمل شيء سوى الخوف من والدي"، بحسب ما يقول. ويعيش الحسيني، بحالة من التوتر هو وإخوته طوال اليوم، بسبب شدة والدهم الذي تعكس تصرفاته حالة من التوتر طوال اليوم، منوها إلى أنه في يوم من الأيام اضطر أن يخفي علامة متدنية عن والده مدة ثلاثة أشهر خوفا منه. ويجد اختصاصي علم الاجتماع الأسري الدكتور فتحي طعامنة، أن التربية والتحصيل العلمي بشكل عام لهما طريقتان يمكن اتباعهما، إما الشدة والصرامة والقسوة، وإما المحبة والألفة. ويرى أن القسوة تنعكس سلبا على العملية التربوية برمتها، الأمر الذي يؤثر على الصفاء الذهني وتحصيلهم العلمي، منوها إلى أنه كلما كان التعليم من خلال تقدير الطفل، وإعطائه مجالا للعصف الذهني كان تحصيله أفضل. ويؤكد طعامنة أن اتخاذ الشدة كاسلوب تربوي يؤدي إلى خلق فراغ عاطفي داخل الأسرة، حيث تفقد العائلة الشعور بالعاطفة والمشاعر والأحاسيس، مما ينتج بناء عواطف ضارة داخل الأسرة، منوها أن لجوء الكثير من الأبناء إلى تعبئة الفراغ العاطفي بطريقة سلبية ويتم تنمية هذا الجانب بشكل سلبي. ويجد طعامنة أن من واجب الأهل انتهاج وسائل تربوية جديدة بعد أن أثبتت علميا فاعليتها بالدور الإيجابي في تربية الأبناء. ويعتبر اختصاصي تربية الأطفال الدكتور عماد الدين خضر، أن حدوث اضطراب في العلاقة بين الطفل، ومن يقوم على رعايته في فترة مبكرة، يجعل دماغ الطفل يستهلك "الجلوكوز"، المسؤول عن معالجة الأمور المعرفية لمعالجة التوتر، ما يعرض دماغ الطفل في مرحلة معينة مبكرة من حياته إلى التوتر. والطفل يعيد تنظيم نفسه ليزيد من استقبال المواد الكيماوية المسؤولة عن الوعي والانتباه بسبب هذا التوتر، فتزداد عمليات التفاعل وضغط الدم باستمرار، وبالتالي يصبح الطفل أكثر عدوانية وانفعالية في كافة البيئات المدرسية والبيتية، بحسب خضر. ويقول خضر "يفترض بالأهل في هذا العصر عدم الضغط على أبنائهم بالأفكار التقليدية"، داعيا إلى إعطاء الطفل الحرية ليبتكر كيفما يشاء والتركيز على تلقينه العادات التربوية الصحيحة، وعدم تربيته على نمط التربية القديم للأب والأم. ويرى أن الطفل في هذه المرحلة، تبدأ الاتجاهات الأخلاقية عنده بالتمحور وفق ما يكتسبه من الأسرة والمدرسة، حيث يبدأ بتقليد الراشدين بسلوكهم، وإدراك المعايير الأخلاقية للمجتمع مثل الأمانة، الصدق والعدالة. وأظهرت دراسة حديثة تتعلق بحقيقة انخفاض نسب التحصيل لدى الأطفال في المراحل الدراسية الأولى، أن سبب هذا الانخفاض يرجع إلى الصرامة الشديدة التي قد يتبعها بعض الآباء والأمهات مع أبنائهم في المنزل. والدراسة التي أجراها مؤسس المركز المصري للتنمية والدراسات الاجتماعية الدكتور مدحت عبد الهادي، وفق صحيفة "اليوم السابع" المصرية، وشملت 79 أسرة لديها أبناء في مرحلة الحضانة والابتدائية من متوسطي الدخل، كشفت أن الأسر التي تستخدم الحزم والشدة مع الأطفال يصيبهم ذلك بالغباء، وذلك لأن نسبة تحصيلهم تقل عن 17 % بالمقارنة بالمعدلات الطبيعية، وتم إثبات ذلك من خلال الامتحانات الشهرية ونصف العام وآخر العام. وتفسر الدراسة أسباب ذلك بأن الآباء والأمهات يقومون بإلزام أبنائهم بالهدوء والمذاكرة دائما، من دون تحديد موعد لمشاهدة التلفزيون أو ممارسة الهوايات مثل الرياضة، الرسم والفن، وذلك تحت بند التربية الصحيحة، فيقوم الأطفال بقضاء وقت الدراسة في المدرسة في اللهو واللعب دون التركيز في التحصيل العلمي. "إن على الوالدين أن يعرفا أن لكل فرد في المنزل دورا محددا، وقد تتبدل الأدوار، وتأخذ الأم دور الأب نتيجة لانشغاله الدائم في العمل فتتحول الأم إلى دور الشدة حتى تعوض دور الأب مع أبنائه"، وفق ما يقول خضر. نصائح للوالدين تساعدهما في تربية ابنائهما: - أن يمثل الوالدان القدوة الحقيقية للأبناء في كافة تصرفاتهما والابتعاد عن العنف اللفظي والجسدي أمامهم. - التركيز على المبادئ الأخلاقية، لأنها المرحلة الأساسية لبناء العواطف والعقول عند الأطفال. - التعامل المتوازن داخل المنزل من قبل الوالدين، وعدم التفرقة في المعاملة وتحميل الطفل جزءا من المسؤولية. - تعميق الوازع الديني لدى الأطفال. أما ما يتعلق بالجوانب النفسية، فيحدد اختصاصي علم النفس الدكتور محمد الحباشنة، قواعد وأنظمة تتعلق بالدراسة والأكل وكافة الجوانب الخاصة بالتربية، شريطة أن لا تتسم تلك القواعد بالصرامة. ويشدد الحباشنة على ضرورة إخراج الطاقة الكامنة الموجودة في الطفل وتوجيهها واستثمارها بطريقة صحيحة، مؤكدا أن مطالبة الطفل بأن يعيش حياته منتظما، أمر ليس منطقيا لاسيما وأن للطفل هامشا للعب والفوضى والبكاء. "وأن فقدان الطفل لأحد هذه الهوامش يؤثر عليه سلبيا"، وفق الحباشنة الذي يؤكد أن ذلك يفقدهم تعلقهم بوالديهما والروابط الاجتماعية، التي تربطهم بمن حولهم، داعيا إلى ضرورة وجود توازن عائلي يعطي الطفل مساحة من الحرية وليس قواعد ثابتة. |
الأحد، 18 نوفمبر 2012
تربية الأبناء
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق