الديانة المسيحية:
أولا :الطوائف المسيحية عند فتح المسلمون لبلاد الإمبراطورية الرومانية وإمبراطورية فارس كانت تنتشر الوثنية والديانة المسيحية (1) المنقسمة إلى طوائف اشهرها في الشرق ثلاثة إضافة للآريوسية اليعاقبة: وكانت منشرة في مصر والنوبة والحبشة ومنهم القبط الأرثوذكس الآن .النسطورية: أو النساطرة وكانت منشرة في الموصل والعراق وفارس .الملكانية: وكانت منشرة في بلاد المغرب وصقلية والأندلس والشام ولكل طائفة وجهة نظر ورأي تعتقده :-فاليعاقبة: الأرثوذكس الآن يرون أن المسيح هو الله وان الله والمسيح اتحدوا في طبيعة واحدة هي المسيح وقد انقسمت الى ملكانيه اي تابعين للملك الروماني والى اقباط .والملكانية وهي الكاثوليكيه والنساطرة :قالوا أن للمسيح طبيعتين متميزتين الطبيعة الألوهية (أي الإلهيه) والطبيعة الناسوتية (أي البشرية) وقد اختلف الطائفتان أيضا فيما عدا ذلك من التفاصيل وهم الروم والارثوذكس.والديانة النصرانية متمثلة في الآريوسية: التي تنسب لآريوس وهم الموحدين الذين يعتقدون بنبوة عيسى وانه مخلوق وانه ليس بإله ولا ابن اله ويعتبروا امتداد للنصرانية التي كان عليها الحواريون .وهناك الان البروتستنت والانجيليين والادفنسنت والسريان والارمن …… وهناك خلافات بين هذه الطوائف المسيحية المؤلهة للمسيح من حيث :- هل اللاهوتية وما للناسوتيه من إرادة وفعل متحدتان في المسيح ؟ أو مختلفتان ؟ فقالت اليعاقبة بالأول وقالت النساطرة إن للمسيح ناسوتية لها إرادة ولها فعل تختلف كل الاختلاف عن العنصر اللاهوتي واختلفوا في تصوير اتحاد اللاهوت بالناسوت . فقالت اليعاقبة كاتحاد الماء يلقى فيه الخمر فيصيران شيئا وأحدا وقالت النسطورية كاتحاد الماء يلقى في الزيت فكل وأحد منهما باق لا يندمج . وقالت المسلكانية كاتحاد النار في الصفيحة الممحاة . إضافي إلى وجود الآريوسيين الذي يفسر سرعة انتشار الإسلام(2) بالإقناع والآريوسيين موحدين ويعتقدون أن المسيح نبي ورسول ومخلوق وإضافة إلى وجود طوائف أخرى وثنية غير مسيحية . واختلفت طوائف المسيحيين في مسائل كثيرة مثل :- هل ينزل المسيح قبل يوم القيامة أو لا ينزل ؟ وقد كان بولس في بداية تأسيسه للديانة المسيحية ينادي بقرب نزوله – الملكوت – ولما يئس نادى بأنه لن ينزل إلا بعد سنوات كثيرة ….. واختلفوا في أن الحشر يكون للأرواح والأبدان أو الأرواح فقط ؟ وهل صفات الله زائدة عن ذات الله ؟ أو هي هي ؟ وفي عصر النهضة بأوروبا اعمل المثقفون والعلماء عقولهم وتوصلوا إلى أن الكتاب المقدس لديهم ليس من عند الله وانه يحتوي على أساطير منافية للعقل. واستنتج ذلك جان مسلييه (1678 – 1733 م) الذي كان راعي أبرشيه أتربيني في شمبانيا بفرنسا ويضيف أن أي رجل عاقل لا يمكن أن يصدق أن الله لكي يسترضي البشر ويستميلهم … يمكن أن يضحي بابنه البريء الذي لم يرتكب إثما …. ويقول مسلييه أيضا أن القساوسه والمشرعين بابتداع الأديان واختلاق الأسرار.. قد ارضوا أذواق الجهال وان الدين لو كان واضحا لكان اقل جاذبية وفتنه لدى الجهال .. فالجهال في حاجه إلى الغموض والأسرار والخرافات والمعجزات التي لا يمكن تصديقها …. والتي تتضمنها الديانة المسيحية . لذا عندما درس الفلاسفة والعلماء في أوروبا في القرن الثامن عشر الكتاب المقدس والإنجيل .. أعلنوا شعارهم من الإنجيل ..إلى العقل . في عام 1767 م اخرج دي هولباخ (3) ألماني ولد عام 1733 م ونشأ كاثوليكيا – كتاب سماه (اللاهوت سهل الحمل theologie portative ) سخر فيه سخريه بالغة من المبادئ السخيفة التي تتضمنها الديانة المسيحية واجمل كل اللاهوت المسيحي في رغبة الكنيسة في التسلط والسيطرة واصدر دي هولباخ العديد من الكتب يناهض بها المبادئ التي قامت عليها المسيحية فنشر عام 1768 م كتاب ( العدوى المقدسة أو التاريخ الطبيعي للخرافة ) ويقصد بالخرافة الدين المسيحي . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)احمد أمين فجر الإسلام صفحة 196 وما بعدها مكتبة الأسرة عام 1996 م– القاهرة . (2)حسين كفافي المسيحية والإسلام في مصر مكتبة الأسرة عام 1998 م – القاهرة . (3) ول ديورانت قصة الحضارة (38) صفحة 138.لقد أدت الخرافات والأساطير مثل أسطورة الغداء بيسوع وصلبه وتحويل الخبز والخمر إلى جسد يسوع ودمه والاعتراف والقداس الإلهي …. وتحريفات العهد القديم ….وادعاءات بولس في العهد الجديد إلى هروب الغالبية من المثقفين والعلماء والفلاسفة من المسيحية وانتقادها لدرجة مناداة فولتير بالقضاء عليها ( اقضوا على الرجس ) …. لقد تحول كثير منهم إلى الاتحاد …ومنهم من تحول إلى الفطرة والإيمان بالتوحيد وان يسوع مخلوق ونبي ….مثل فولتير . ونستعرض في الأوراق التالية ما قاله ابن كمونه اليهودي عن مبادئ الديانة المسيحية كما وضحها بولس وتعديلات المجالس والمؤتمرات المسكوتيه وانتقاده لها عام 1280 م قبل المزيد من الانقسامات في الكنيسة وظهور طوائف جديدة من بروتستنتية وإنجيليه …. ثانيا : أساسيات الديانة المسيحية وجدت من الأفضل عرض أساسيات الديانة المسيحية كما لخصها(1) سعد بن منصور بن كمونه اليهودي وراجعها معه مسعود ( بن ارجوك ) الماردي المسيحي وأبو الحسن ابن إبراهيم ابن المحرومة الماردي اليهودي , وقرأه إبراهيم القرا اليهودي حيث ذكر أن المسيحيون يعتقدون :- 1- في أن الله هو الأب وهو الابن وهو الروح القدس . 2- أن اللاهوتية تجسمت وصارت جنينا في بطن عذراء من اشرف نساء بني إسرائيل من نسل داود أولدته ناسوتي الظاهر لاهوتي الباطن نبيا مرسلا في ظاهره وإلها مرسلا في باطنه فهو إنسان تام واله تام . 3- مؤمنون بالعهد القديم ( ولا يطبقون الشريعة التي تضمنها وكان يسير عليها المسيح ). 4- انهم موحدون بالحقيقة وإن ظهر على ألسنتهم التثليث ( كيف يتأتى التوحيد والتثليث ) . 5- انهم مكلفون بتعظيم المسيح , وتعظيم صليبه , وتتبع أحكامه ووصايا الحواريون أصحابه . ويذكر ابن كمونه ما اتفق المسيحيين على تسميته بالأمانة بعد اجتماع ثلاثمائة وثمانين عشر نفرا(2) عليها في زمن قسطنطين الملك ( يشير ابن كمونه إلى مجمع نيقيه عام 325 م ) ومعناها هو ( وهو من تأليف الشماس اثنا سيوس الذي حضر المجمع عام 325 م ماعدا الالكسندر بابا الإسكندرية ) . ( نؤمن بالإله الواحد الأب ماسك الكل صانع السماوات والأرض وكل ما يرى وما لا يرى , وبالواحد الرب ايشوع المسيح ابن الله الوحيد . بكر جميع الخلائق الذي ولد من أبيه قبل كل العوالم وليس بمصنوع . نور من نور . الاه حقيقي من الاه حقيقي , من جوهر أبيه الذي به أتقنت العوالم وخلق كل شيء . الذي لأجلنا معشر البشريين , ولأجل نجاتنا هبط من السماء وتجسم من روح القدس وصار إنسانا وحمل به وولد من مريم البتول وتألم وصلب في أيام فنطيوس فيلا طوس ودفن وانبعث في لثلاثة أيام . كما كتب . وصعد إلى السماء وجلس على يمين أبيه وهو مذمع لان يأتي ليدين الأموات والأحياء وبالواحد روح القدس روح الحق المنبثق من الأب . الروح المحيي وبيعه واحدة مقدسة سليمية جاثليقيه (3) ونؤمن بمعمودية واحدة لغفران الخطايا وبانبعاث أجسادنا وبالحياة الأبدية ) وفي الحقيقة تلخص تلك الأمانة !!! أو النشيد أساسيات الدين المسيحي …. ويقول ابن كمونه انه لم يجد بين اليعقوبية(4) منهم والنسطوريه(5) فيها خلافا في المعنى إلا انه لم يجد في النسخة التي أخذها من اليعقوبيه ( الذي به أتقنت العوالم وخلف كل شيء ) ووجد عوض ( كما كتب ) ( كما أراد ) وفيها زيادات لا تنافي هذه العقيدة وانهم اتفقوا على أن اقنوم الأب هو الذات وان اقنوم الابن هو الكلمة وهو العلم وأنها لم تزل متولدة من الأب لا على سبيل التناسل بل كتولد ضياء الشمس من الشمس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سعد بن منصور بن كمونه تنقيح الأبحاث للملل الثلاثة الناشر دار الأنصار القاهرة عام 1967 م . صفحات 51 – 62 واصل الكتاب مكتوب عام 1280 م 679 هـ ( وأعيد كتابته مرات ) .(2) مجمع نيقية كان فيه اختلافات كبيرة وكان هناك خلاف أساسي بين آريوس المصري ورأيه أن المسيح نبي مخلوق وليس باله وبابا الإسكندرية الذي يقول انه ابن اله …. وانضم قسطنطين إلى بابا الإسكندرية وفرقته ….( القصة كاملة واردة في الكتاب )(3) مكتوب هكذا ولا اعلم معناها ( الكاتب ) مثل باقي الطلاسم السابق ذكرها . (4) اليعقوبية : وهم اتباع يعقوب البرادعي ويقولون بان المسيح ذو طبيعة واحدة قد امتزج فيه عنصر الإله بعنصر الإنسان وتكون(5) النسطوريه : من الاتحاد طبيعة واحدة جامعه بين اللاهوت والناسوت . واقنوم روح القدس هو الحياة وأنها لم تزل فائضة من الأب ) واتفقوا أيضا على اتحاد الكلمة بالمسيح واختلفوا في الاتحاد . فاليعقوبية : تقول أن الاتحاد بمعنى الممازجة والمخالطة حتى صار منها شيء ثالث , كما تمتزج النار بالفحمة فيصير منها جمرة والجمرة ليست نارا خالصة ولا فحمة خالصة . وجعلوا ذلك بمعنى التركيب الإرتباطي , وان كان من جسماني وروحاني كمال النفس المجردة والبدن , فان أحدهما ارتبط بالآخر حتى صار شخصا وأحدا . فقالوا إن المسيح جوهر من جوهرين واقنوم من اقنومين . والنسطورية : تقول إن الاتحاد هو على معنى أن الكلمة جعلته هيكلا ومحلا وادرعته ادراعا وكذلك قالوا إن المسيح جوهران اقنومان وقال بعضهم أن الاتحاد وقع به كما اتحد نقش الفص بالشمع . وصورة الوجه بالمرآة من غير أن يكون قد انتقل النقش من الفص إلى الشمع أو الوجه إلى المرآة . وبعضهم يقول – اتحاد الكلمة به هو أن ظهرت ودبرت على يديه . والمسلكانيه: (1) قالت أن المسيح جوهران واقنوم وأحد لأن الاتحاد وقع بالإنسان الكلي لا الجزئي والمراد بالاقنوم هو الشخص . وكل المسيحيين(2) يؤمنون ببعث الأجساد وبالثواب في الجنة ويعبرون عنها بالفردوس وبالعقاب في جهنم إلا انهم لا يقولون إلا بالثواب والعقاب الروحانيين دون الجسمانيين وقالوا أن الصالحين يصيرون في ملكوت السماء كالملائكة أو في ملكوت الله . ويعتقدون بقاء الأنفس الإنسانية بعد حزاب الأجساد بالموت . واجمعوا على آخرهم أن شريعتهم التي شرع بها السيد المسيح وأصحابه لا تنسخ إلا يوم القيامة وقالوا ذلك انه نقلا عن الحواريين ( والذي شرع في الواقع هو بولس كما سنرى وليس المسيح ) ونقلوا عن المسيح في الأناجيل الأربعة ( يوحنا ومتى ولوقا ومرقس ) معجزات كثيرة : تتضمن انه احيي ثلاثة موتى : وأحدا قبل أن يجعل في التابوت وآخر وهو في التابوت قبل أن يدفن وآخر بعد أن دفن بأربعة أيام ويوحنا هو الذي ذكر في إنجيله إحياء الثالث وفي بعض الأناجيل ذكر وأحد منهم فقط وفي بعضها اثنان ولم يذكروا فيما عدا إنجيل يوحنا إحياء المدفون منهم واتفقوا فيما عداه على إحياء الذي لم يجعل في التابوت وإبراء الأبرص وحول الماء خمرا واشبع خمسة آلاف رجل عدا النسوان والأطفال من سمكتين وخمسة أرغفة واخرج الشياطين من الناس وكشف أسقاما كثيرة ومشى على الماء وغير ذلك من معجزاته . ثم يضيف أبن كمونه قائلا :- وفي الأناجيل الأربعة اختلاف كثير قد تعسف علماؤهم التوفيق بينهم وفيها أمثال كثيرة ومواعظ وفيها الأمر بمكارم الأخلاق مثل قوله(إن انتم كافيتم السيئات بالسيئات فلا اجر لكم عند أبيكم الذي في السماء ولا حسنه ) ومثل(إن غفرتم لبني البشر سيئاتهم فان أباكم الذي في السماء يغفر لكم سيئاتكم وان لم تغفروا فلا يغفر لكم) ويقول ابن كمونه أيضا :- انه يوجد بين المسيحيين اختلافا كبيرا في العقيدة , كما أن منهم من اثبت للابن كونا زمانيا وقال أن الله أحدث الابن وفوض إليه خلق العالم والباقون قالوا انه ولد من أبيه قبل كل العوالم وليس بمصنوع , كما هو في الأمانة السابق ذكرها . وقد كان لهم اجتماعات كثيرة لإزالة الخلاف بينهم فأحرم (تم تكفيره) فيها بعض المخالفين وأدت إلى سفك دماء كثيرة منهم يعرف ذلك من تاريخهم . وان المسيح كان مستمسكا بأحكام التوراة إلى أن تم القبض عليه من قبل اليهود وكان يأمر بها وقال ما جئت لأنقضها وحيث أنكروا (اليهود) عليه ما توهموه تفريطا في بعض أحكامهم بين لهم المسيح انه ليس بتفريط وأوضح لهم ذلك مما يقتضيه فقههم وشرعهم كما هو مذكور في الإنجيل ويقي أصحابه على التمسك بها (التوراة) مدة طويلة إلى أن اظهروا المخالفة(3) لها والإعلان بنسخها ونقضها وأنها كان يلزم العمل بها إلى حين ظهور المسيح لا غير ولا اكثر ذلك عن رأي فولوس (بولس) ( أي أن وقف العمل بالشريعة يعود إلى رأي بولس )
(1) الملكانيه: (2) اخطأ ابن كمونه في ذلك لأنه يوجد خلاف بينهم على ذلك كما بينا . (3) أي حرفوا ما كان يدين به المسيح …. مثل وقف العمل بالشريعة التي كان يدين بها المسيح …. ثانيا ابن كمونه ومناقشة أساسيات الديانة المسيحية بعد أن ذكر ابن كمونه أساسيات الدين المسيحي اخذ في تفنيدها ونقض صحتها . يفند ابن كمونه الديانة المسيحية بعد دراسته لأساسياتها السابق ذكرها قائلا:- عن الاقانيم إن هذه الاقانيم التي يذكرها المسيحيون إن كان مرادهم بها ذوات ثلاثة قائمة بأنفسها , فبرهان الوحدانية يبطله . وهو أيضا على خلاف معتقدهم في التوحيد . وان كان مقصدهم أنها صفات أو أحدها ذات والباقيتان صفتان فهلا جعلتم صفة القدرة اقنوما رابعا ؟ وكذلك سائر ما يوصف به الله تعالى اقانيم ؟ فان قالوا – قدرته هي علمه – قلنا – وحياته أيضا هي علمه فلم أفردتموها اقنوما ؟ أما الاتحاد فهو غير معقول لان الشيئين إذا اتحدوا فإما أن يكونوا موجودين أو معدومين أو أحدهما موجودا والآخر معدوما فان كانا موجودين فلم يتحدوا لأنهما اثنين لا وأحد وان كانا معدومين فلا يصيران وأحدا بل عدما وحدث ثالث , وان عدم أحدهما وبقى الآخر فظاهر أن ذلك ليس باتحاد . فان فسر الاتحاد بمعنى الممازجة والمخالطة والتركيب فان كان الأب والابن غيرين بحيث يتحد الابن وحده بالمسيح دون الأب بالمعنى المذكور , فهو يخالف اعتقاد التوحيد . وان كان الابن صفة فلا يعقل في الذات العالمة أن يصير كونها عالمة ممازجة لجسم من الأجسام دون الذات . كما لا يعقل أن يكون زيد ببغداد وكونه عالما بخرا سان ثم علم كل شيء هو قائم فيه فيلزم أن يكون علم الله تعالى مجودا فيه وفي المسيح دفعه واحدة فللصفة الواحدة في الحالة الواحدة موصوفان وهو محال فان لم يكن تعالى عالما حال الاتحاد كان كونه عالما حكما جائزا فيفتقر إلى مخصص يخصصه وذلك يخرجه عن الالاهيه . والقول بالامتزاج باطل لأنه لا يعقل إلا في الأجسام والكلمة عندهم ليست بجسم فان قالوا الممازجة بالتركيب الإرتباطي كالإنسان الواحد من نفس وبدن فارتباط أحد الشيئين بالآخر لا يعقل إلا باحتياج أحدهما لصاحبه أما مع العكس كاحتياج النفس إلى البدن باعتبار واحتياج البدن إليها باعتبار آخر وإما من غير عكس كاحتياج صورة السرير الخشب وعدم احتياج الخشب إليها لكن فيما نحن فيع يمتنع احتياج الجزء اللاهوت إلى غيره بوجه من الوجوه ولو كان الاتحاد لاحتياج الجزء الناسوتي إلى اللاهوتي من غير انعكاس لكان مثل هذا الاتجاه حاصلا مع كل المخلوقات لان كلها محتاجة في وجودها وسائر كمالاتها إلى الله تعالى . وكون الاتحاد كاتحاد نقش الفص بالشمع إن عني به أن ذات المسيح صارت مثلا للبارئ فهو محال لاستحالة أن يصير الجسم المحدث منزها قديما وان عني به انه حصلت له خاصية لأجلها قدر على ما لم يقدر عليه غيره فليس يقتضي ذلك كونه إلها وإلا لكان كل من ظهر على يده معجزات من الأنبياء إلها لا سيما مثل معجزات موسى فأنها اعظم بكثير مما يحكى عن معجزات المسيح وأبعد عن وقوع الحيلة فيها واكثر رواه من رواتها فان رواة تلك هي الملل الثلاث ورواه هذه بعضهم . وأيضا فلا يقال في شيء انه من جوهر غيره وإلا وقد اشتركا في أمر جوهري وعمهما عموم طبيعية لا عموم نسبة فان لم ينفصل أحدهما عن الآخر بفصل , لم يكن كون الأب مولدا للابن أولى من العكس ثم هلا ولد الابن ابنا آخر والآخر آخر هكذا إلى غير النهاية وان انفصل عنه بفصل جوهري لزم تركيب البارئ من الجنس والفصل , أو كانت ذات الابن هي مثل ذات الأب وزيادة وكل ذلك محال . ولو كان المراد بقولهم أن البارئ سبحانه جوهر وأحد ثلاثة اقانيم انه ذات عالمه حيه أو ذات عاقلة لنفسها وذاتها معقولة لها . كما يحكى عن يحي بن عدوي انه فسر الأب والابن وروح القدس بأنه كونه عقلا مجردا هو الأب وكونه عاقلا لذاته هو الابن وكون ذاته معقولة له فهو روح القدس فما قلتموه في أمانتكم التي اتفقتم عليها ينافي ذلك تحقيقا أن الابن ذات غير ذات الأب أو ذات الابن هي التي نزلت وصعدت دون الأب . ويقال لليعقوبية : في قولهم أن المسيح جوهر من جوهرين واقنوم من اقنومين جوهر لاهوتي وجوهر ناسوتي –انه إن كان كل وأحد من اللاهوتي والناسوتي على حاله لم ينفصل عما كان عليه فهو قول النسطورية وان كان كل وأحد منهما قد أبطل الآخر فقد اقروا ببطلان الإله ولزمهم أن يكون المسيح لا قديما ولا محدثا ولا اله ولا غير اله , إذ قد خرج كل منهما عما كان عليه . أيضا فان العيان يشهد بان ناسوت المسيح مثل غيره فلا يكون اللاهوت قد أبطله , وتمسكه لا يجوز إذ الجزء اللاهوتي هو الذي يؤثر في غيره , وغيره ممتنع أن يؤثر فيه . ويقال للنسطورية القائلين بجوهرين واقنومين انهما إن كانا قديمين فقد أثبتم قديما رابعا هو ناسوت المسيح . وان كان محدثين, كنتم قد قلتم بحدوث الابن الذي تزعمون انه أزلي , وعبدتم ما ليس باله , لأنكم تعبدون المسيح وهو على هذا القول جوهران محدثان وان كان أحدهما قديما والآخر محدثا , كنتم قد عبدتم القديم والمحدث وإذ المسيح الذي تعبدونه مجموعهما ومجموع القديم والمحدث , من حيث هو هذا المجموع فهو محدث فيكون قد عبدتم المحدث من حيث هو محدث لا يستحق العبادة فيجب أن تتمحض العبادة للقديم ولا يبقى للمحدث ذلك مدخل . فلا يكون قد عبدتم المجموع لو أخرجتم المحدث على أن يكون له مدخل في العبادة وحينئذ يثبت أن المسيح الذي هو عبارة عن مجموع الأمرين غير مستحق للعبادة وهو خلاف معتقدكم. ويقال للملكانيه على قولهم أن المسيح جوهران اقنوم وأحد – وان الاتحاد وقع بالإنسان الكلي لا بالجزئي – أن الإنسان الكلي مشترك بين جميع الناس فلو اتحدت الكلمة به لزم أن لا يختص بهذا الاتحاد بعض الناس دون البعض وانه باطل . وعلى هذا فكما لم يكن اقنومين فكذلك لا يكون جوهرين . فجميع مذاهبكم إذن باطلة – فيخلص ابن كمونه من هذه الدراسة على أن جميع مذاهب الديانة المسيحية في عبادة المسيح باطلة قائلا (فجميع مذاهبكم إذن باطلة) ثم يضيق ابن كمونه وهو محق كل الحق :- إن الله اكرم من أن يقال انه سكن الرحم في دنس الحيضه وضيق البطن والظلمة , أو نظرت إليه العيون الجسمانية أو أصابه سنه أو نوم أو أحدث في ثيابه وبال في فراشه أو بكى أو ضحك أو أخذه على ما لم يرد عجزا أو سهى أو لحقه خوف أو فزع أو رغب إلى ما في أيدي الناس أو سجن أو هرب أو تعالى انه أكل أو شرب أو تشبه بأهل الأرض أو انه لم يستطع أن يقضى أمره وهو في ملكه حتى نزل على الأرض ليهديهم وينجيهم من الشيطان وانه جاء ليهدي الناس من الضلالة ويطهرهم من الخطايا ؟؟ ثم أي خطيئة كانت قبل المسيح أو بعده اعظم من الخطيئة التي كانت في زمانه عندكم . ونجد الشيطان لم يزل منذ جاء المسيح كما قد كان قبل مجيئه في الأذى والضلال فانه فرق دينكم على مذاهب شتى . فشهد بعضكم على بعض بالضلالة . وقد قتل الحواريون في عدة بلاد أهانوهم وعذبوهم ولم يزل الظلم والعدوان والقتل والكفر ساريا في المسيحيين وغيرهم من الأمم إلى هذه الغاية . أبطال ألوهية المسيح عيسى بن مريم : ويقال لهم أن اتخذ المسيح إلها :- لكونه على رأيكم من غير والد فآدم وحواء اعجب منه في ذلك , وكذا اصل كل دابة خلقها الله تعالى . وان اتخذ إلها من اجل رفعه إلى السماء فقد رفعه قبله ايليا النبي بعد ما ظهرت على يده المعجزات الكثيرة ولم يصبه في بشريته سوء فلو جازت عبادة البشر لكان أحق بذلك من الذي حبس واهين وعذب وصلب . والملائكة أيضا مازالوا مرفوعين إلى أن يؤمروا بالنزول . وان كان ذلك لأنه سمي في الإنجيل ابن الله فانتم تقولون أن إسرائيل سماه الله ابني بكري وقد سمى المسيح الحواريين اخوته . وفى الإنجيل أيضا – حبوا من احبكم – إلى قوله تكونوا مثل أبى وأبيكم الذي في السماء – وفيه – إن انتم كافيتم السيئات بالسيئات فلا اجر لكم عند أبيكم وفيه – إن انتم غفرتم لبني البشر سيئاتهم فان أباكم الذي في السماء يغفر لكم – وان دعيت ألوهيته من اجل معجزاته فغيره من الأنبياء قد فعل ذلك ويقال لهم أيضا كيف تقولون انه تدنس بالخطيئة حتى طهره (قام بتعميده) يحي بن زكريا ولا يمكنكم أن تقولوا انه لم يتدنس بخطيئته وإلا لكان التطهير بالماء عبثا . (وهم يقولون انه إنسان كامل وكيف؟ ولم يتزوج ؟ ولا أن هناك من يقول انه تزوج مريم المجدلية وانجب منها) * وكيف يشرب الإله الخمر أو أكل السمك والصيد أو تعب حتى كان عرقه يسيل على وجهه من ـ
الكاتبالضعف, أو انه اختطفه الشيطان فذهب به حيث لا يجب وكيف ذكر في الإنجيل أني ما جئت لانقض التوراة لكن جئت لأتممها وقد قمتم بنقضها في كثيرا منها (بل تم نقضها كلها) وفي إنجيل متى أن جبرائيل جاء إلى مريم فبشرها بولد ولم يقل لها ابشري انك سوف تلدين إلها . وكان يوسف زوج مريم كما في متى انه جاء الملك أي جبرائيل وقال ليوسف اذهب خذ امرأتك ولا تخف وفي غير مكان من الإنجيل أن يشوع (يسوع أو المسيح) هو ابن يوسف وأقرت مريم أن ايشوع ابن يوسف(1) فان في يوم فقدانها له في بيت المقدس قالت –(أين كنت هوذا أنا وأبوك في هم شديد من أجلك )- وطبعا يقول ابن كمونه هذا الكلام لأنه يهودي ممن قالوا على مريم بهتانا عظيما – وأهل الناصرة قالوا –( أليس هذا ابن النجار واخوته(2) يعقوب ويهوذا ويس واخوته مزوجات عندنا) قد برأ الله سبحانه وتعالى السيدة مريم في القرآن الكريم . وكيف يجوز أن يكون إلها تاما ؟ وهو لا يعلم إلا بعض الأشياء !! لا كلها . لا سيما وقد قلتم أن اقنوم الابن هو الكلمة وهي العلم ودليل عدم علمه ببعض الأمور الدال على ذلك على عدم الاتحاد الذي تدعونه ما جاء في إنجيل مرقس انه لما اخبر بشيء من أهوال الساعة وأشرطها , قال إن ذلك اليوم وتلك الساعة لا يعلمها إنسان ولا ملائكة السماء ولا الابن إلا الأب وحده . وفي الإنجيل انه قد رقد في السفينة ولم يعلم حتى أيقظه بعضهم !! وداود النبي يقول – هو ذا لا ينام ولا يرقد حافظ إسرائيل ويقول يا رب من يشبهك لا تنم يا عال . وفي الإنجيل من كان في قلبه خردلة إيمان يقول للجبال اتبعيني فتتبعه ونج المؤمنين بالمسيح لا يقدر أحدهم على تسيير حجر لطيف ولا شيء غيره . وفيما معناه – العصفور وجد وقرا ليسكنه ووجد الثعلب جحرا ليسكنه وابن البشر لم يجد مكانا يسكنه مع أن اشعياء النبي يقول أن المسيح يجلس على منبر داود فيقضي بين الناس بعدل وحق (ويقول ديورانت عن سفراء أشقياء انه موضوع من المسيحيين لإثبات ألوهية المسيح). وقام ايشوع(يسوع أو المسيح) فغسل أرجل الحواريين بالماء وقال لِمَ لم يجيء ابن البشر ليخُدم ولكن جاء ليخدم – ولم يدع نفسه إلها تاما قط . وأما الصليب فأظهرته هيلاني وقسطنطين بعد ايشوع (يسوع المسيح) بحدود ثلاثمائة سنه وليس هو في الإنجيل ولا في شيء من الكتب . وقال له رجل طهرني فأجابه أنا حريص أن أطهرك اذهب إلى الكاهن فأره نفسك وقرب قربانا كما قال الله لموسى في التوراة فكيف يتخذ من ليس له سنه بل يحيل على سنة غيره إلها ؟ هذا مع انهم يدعون انه قال من نظر إلى نظر إلى فقد نظر إلى أبى وأنا وأبي سواء . وقال لتلاميذه – (اجلسوا هنا حتى اصلي) . (وقال بلغت نفسي الموت انتظروا هنا واستقروا قليلا حتى اصلي) . وقال في صلواته (يا أبي نجني إن أمكن وتجوز عني هذه الساعة) وقال لشمون (ألا تقدر تسهر على ساعة واحدة ؟ قم نذهب فأنها قد بلغت الساعة) . وكان قد قال قبل ذلك (وهذا ابن البشر يسلم في يدي الخاطئين ويستهزئون به ويبصقون في وجهه) . ومن قبل صام أربعين يوما في الجبل ليمتحن من الشيطان يصوم ويصلي ويرغب إلى الله عز وجل ثم أصابه الجوع الشديد كما قال في الإنجيل ( فلم يزل الشيطان في طلب ايشوع ( يسوع أو المسيح ) فوجده في الجبل وقد تلف جوعا وعطشا فقال له الشيطان إن كنت ابن الله كما تقول فقل لهذا الحجر حتى يكون خبزا تأكله فقال يسوع للشيطان مكتوب في التوراة ليس على الخبز وحده يحيا ابن البشر لكن بكلام الله يحيا ابن البشر فاخذ الشيطان ايشوع حتى ادخله بيت المقدس واصعده راس الهيكل وقال له – إن كنت ابن الله كما تقول فارم نفسك إلى اسفل ولا يصيبك سوء فقال يسوع للشيطان مكتوب في التوراة ألا تجربوا الله إلهكم . (1) هو ابن مجازي فقد ولد من غير أب معجزة إلاهيه مثل خلق آدم وحواء وقد أوردت قول ابن كمونه لأنه يوضح الرأي اليهودي والحجج اليهودية وهم قوم بهت كما قال عنهم الصحابي عبد الله بن سلام حينما اسلم وقد كان يهوديا منهم واعلم بصفاتهم .(2) زواج السيدة مريم بعد ميلاد يسوع من غير أب وإنجابها أبناء من يوسف النجار هو أمر لا يتعارض مع سنة الله في خلقه .وقال الشيطان ليسوع الدنيا وملكها وكل خير فيها فهو لي أعطه لك اسجد لي وخر لي على وجهك فقال يسوع للشيطان اذهب يا شيطان مكتوب في التوراة ( الله ربك خف وإياه اعبد وبه استعين وباسمه احلف ) فترى لمن كان يصلي ويصوم إذا كان إلها ؟ وكيف يدعي الالوهيه من يتلاعب به الشيطان ؟ وهكذا يتساءل ابن كمون ثم يتحدث عن :- اختلاف الأناجيل في نسبه نسبه لوقا إلى آدم ونسبه متي أيضا بنسب مختلف لذلك في بعض الأباء وقال في أول النسب أن ايشوع ( يسوع ) ابن داود بن إبراهيم وقال في آخره أن ماثان أولد يعقوب ويعقوب أولد يوسف زوج مريم التي ولد منها ايشوع المدعو بالمسيح واخبر متي أن يوسف لم يعرف مريم إلى أن ولدت ابنها البكر . ويهوذا أحد أصحابه وخواصه الإثنى عشر هو الذي دل اليهود عليه وسلمه إليهم حتى صلبوه واخذ أجرته على ذلك منهم ثلاثين درهم من الورق ( أو الفضة )ولو ثبت عنده انه نبي فضلا انه اله لما استجاز أن يفعل ذلك لأجل أخذه هذا القدر النزر ( وهو نبي رغما عن انف يهوذا أو ابن كمونه ) وكان في جملة تعذيبهم ليسوع وشهرته لما أرادوا صلبه أن غطوا رأسه ووجهه وجعلوا يضربون رأسه بالقصب ويقولن تنبأ لنا أيها المسيح , من ضربك , وبعض عظيم الكهنة لطم وجهه وتفلوا فيه . والله تعالى يقول لموسى عليه السلام لا يراني أحد فيعيش وقال بنو إسرائيل كلمنا أنت نسمع ونطيع ولا يكلمنا الرب فنموت . فكيف يكون والحالة هذه من يُلطم وجهه إلها ؟ وطاف اليهود(1) بايشوع ( المسيح ) يوم الجمعة إلى نصف النهار , وعلى عنقه خشبته التي صلب عليها . وجاء شمعون القريني . فخملا عنه , بزعم المسيحيين ثم ذهبوا به فصلبوه عليها وسقوه الخل وطعنوه بالحربة بعد موته فقال ايشوع وهو عليها – الاهي .. الاهي لما تركتني ولم يزل مصلوبا حتى سال فيه يوسف الذي من أمه يهوذ فوهب له جسده فدفنه ميتا وهذا كله ينطق به الإنجيل . ويزعم المسيحيين أن جميع نفوس البشر منذ خلق الله آدم كانت مسجونة حتى خلق الله ايشوع ( المسيح ) فأطلقت . وتدخل في ذلك انفس جميع الأنبياء والصالحين وليس في الإنجيل ما يدل على أن ايشوع ( المسيح ) خاطبه الله إلا مده واحدة كما جاء في يوحنا انه قال ( المسيح يا أيها الأب مجد اسمك فجاءه صوت من السماء يقول مجدت وأيضا امجد ) . فكيف كلم عبده موسى مرارا لا تحصى ولم يكلم ولده وحبيبه إلا هذه المرة . ( وديورانت يقول عن إنجيل يوحنا انه من وضع تلميذ فلسفة في الاسكندريه ) . وستر وجهه موسى رسوله فلم يستطع أحد أن ينظر إليه من النور وفعل مع ولده ما ينافي ذلك وتركه للهوان بين أعدائه ؟ ويضيف ابن كمونه اليهودي انه قد جاء في كتب الأنبياء(2) ( وهي كتب موضوعه كما ذكر المؤرخ ديورانت ) من علامات المسيح وما يكون في زمانه ما لم يظهر في ايشوع ولا في زمانه مثل ما جاء في كلام بعضهم ما معناه – انه يضرب الأرض بسوط فيه وبريح شفتيه يميت الخاطئ وانه يجلس على منبر داود فيقضي بين الناس بعدل وحق وان الحروب ترتفع ولا يرف أحد على أحد سيفا وان الذئب والكبش يربضان معا ويرعيان جميعا وان الأسد يأكل التبن كالبقر وهذا إن كان على ظاهره فلم يجر ولم يقع في أيام ايشوع ولا بعده وان كان مثلا وهو الأظهر فهو مثل لارتفاع الشرور في العالم وزوال العدوان من بين الخلق . ولم يجر في زمانه إلا خلاف ذلك من زيادة العداوة بين الناس بسبب ظهوره وارتكابهم الذنوب العظيمة فيه وفي أصحابه . وجاء أيضا انه في ذلك الوقت يتنبأ البنون والبنات من بني إسرائيل وانه يبعث آليا النبي فيرد قلوب الأباء على البنين وقلوب البنين على الأباء . وأمثال هذه الأشياء من علامات ظهوره في كلام الأنبياء كثيرة وكله لم يظهر منه شيء إلى الآن . والقدر الذي أوردته منه إنما أوردته ( بقصد ابن كمونه نفسه ) لا بألفاظه ولكن بمعناه ولا على ترتيبها في كتب النبوات(3) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الكاتب كمسلم يؤمن بما جاء في القرآن من أن المسيح عليه السلام لم يقتل ولم يصلب ولم يقبض عليه ولكن شبه لهم ولكن ما يتم إيراده هو قول ابن كمونه اليهودي ومراجعه مسعود ابن ارجوك المسيحي . (2) ينكر اليهود أن المسيح عليه السلام هو عيسى ابن مريم ويدعون انه لم يأت بعد لاعتقادهم انه سيأتي ليقيم ملكهم والمسلمون يعتقدون انه هو عيسى ابن مريم عليه السلام تصديقا لم جاء في القرآن الكريم(3) ما أورده ابن كمونه عن كتابه اليهود لعلامات المسيح يشبه ما كتبه المسيحيون عن الكلمة المجسده كلها كتابات من عندهم ما انزل الله بها من سلطان , وينسبونها تارة إلى الأنبياء وتارة يقولون من عند الله وهي من عند أنفسهم ويشكك ابن كمونه اليهودي في معجزات المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وتشكيك بغير حق لان معجزات عيسى عليه السلام مذكورة في القرآن الكريم . ويقول ابن كمونه اليهودي أن جميع ما ينقلونه ادعاءاً عن السيد المسيح فهو عن الأفراد الذين هم أصحابه فلا يكون متواتراً ولا موثوقاً إليه وبتقدير صحة النقل فهو غير بعيد في العقل أن يكون . يسوع المسيح لم يبشر بأي خصيصه واحدة من خصائص المسيحية( الحالية ) ]فولتير[ أوردت ما قاله ابن كمونه اليهودي في تفنيد الاقانيم وغيرها التي وضعها . وحينما حكم فلاسفة أوروبا عقولهم في القرن الثامن عشر في عصر التنوير والنهضة وجدوا أنفسهم أمام عدم معقولية المعتقدات والطقوس المسيحية في التثليث وعبادة المسيح والقربان …. لدرجة أن ( فولتير ) أطلق شعار ( اقضوا على الرجز أو الرجس ) وكان يقصد بمطالبته ونداءه القضاء على الدين المسيحي وعبادته للمسيح وطقوسه الغير معقولة في رأيه ورأي فلاسفة رواد التنوير في أوروبا . ولأهمية ما توصل إليه رواد عصر التنوير في أوروبا سيتم تناوله بالتفصيل في صفحات لاحقة . فإذا كان ابن كمونه اليهودي متحيزا لديانته المحرفة وغير معترف ببعثة المسيح عيسى ابن مريم وانه لم يبعث بعد ليقيم ملك بني إسرائيل كما يدعي أسلافه الذين لم يعترفوا بنبوته فإننا نجد أن اخطر واهم الاعتراضات وأكثرها منطقية تأتى من داخل معتنقي الديانة المسيحية ذاتها بعد أن يدرسوا اللاهوت المسيحي والطقوس والعهد القديم والجديد للديانة … ولذلك نجد عدد كبير من القسس والعلماء قد تحولوا إلى رواد للتنوير في أوروبا وينضموا إلى حملة ( القضاء على الرجس أو الرجز ) التي نادى بها ( فولتير ) . لقد كان لدى فولتير مائتي مجلد في اللاهوت المسيحي قرأها واستنتج فيها ( أنى قرأتها وكأني أقوم بجولة في مستشفى للأمراض العقلية ) ولنقرا مع فولتير قول سانت أوغسطين ( أن المذهب الكاثوليكي يعلمنا أن كل الناس يولدون مذنبين إلى حد أن الأطفال أنفسهم ملعونون بالتأكيد إذا ماتوا دون أن ينفخ المسيح فيهم روحا جديدة افضل ) ( ويقال أن مثل هؤلاء الأطفال يذهبون إلى مكان جميل بجوار الجحيم اسمه الأعراف ) ويستنكر بذلك هذه الأساطير . أما بالنسبة للتثليث(1) فقد سخر فولتير من التثليث في كتابه ( الملحد والحكيم ) ويسال فولتير على لسان الملحد ( هل تؤمن بان للمسيح طبيعة واحدة وشخصا وأحدا وإرادة واحدة أو أن له طبيعتين وشخصيتين وإرادتين أم أن له إراده واحدة وطبيعة واحدة وشخصيتين أو إرادتين وشخصيتين وطبيعة واحدة ؟ ) ولكن الحكيم يأمره أن ينسى هذه الألغاز ويكون مسيحيا طيبا . ويذكر فولتير إلى أن المسيح بخلاف القديس بولس والمسيحيين اللاحقين ظل مخلصا لليهودية على الرغم من نقده للفريسين ( أن هذا الإله الخالد بعد أن جعل نفسه يهوديا يتمسك بالديانة اليهودية طيلة حياته ويؤدي شعائرها ويتردد على المعبد اليهودي ولا ينطق بشيء يخالف الشريعة اليهودية وكل التلاميذ يهود وهم يؤدون الشعائر اليهودية . يقينا ليس هو الذي أسس الديانة المسيحية … أن يسوع المسيح لم يبشر بأية خصيصة واحدة من خصائص المسيحية ) وهكذا استنتج فولتير أن مسيحية المسيح عيسى ( يسوع ) ابن مريم ليست هي مسيحية بولس … وان المسيح لم يأت بأي خصيصة من خصائص المسيحية … وهو ما توصل إليه روجيه جارودي في العصر الحاضر …. وول ديورانت أيضا … وكان من درس وحكم عقله من الفلاسفة والمثقفون ممن سيأتي الحديث عنهم من رواد التنوير . ولاحظ تهكم فولتير بقوله ( هذا الإله الخالد ) فالذي ألهه هو بولس ولم يكن ليسوع أية علاقة بالديانة التي أبتدعها بولس . (1) قصة الحضارة وول ديورانت (38) صفحة 205 و 206 ترجمة محمد أبو درة ومراجعة علىادهم عام 1983 م النصارى ؟ في العقيدة الإسلامية النصارى: يذكر معجم ألفاظ القرآن الكريم ورود كلمة النصارى في :- سورة البقرة :- آيات 62 , 111 , 113 ( مكرر ) , 120 , 135 , 140 وسورة المائدة :- آيات 14 , 18 , 51 , 69 , 82 وسورة التوبة :- آية 30 وسورة الحج :- آية 17 ويعرف المعجم النصارى بأنهم : اتباع المسيح عليه السلام ويرى بعض اللغويين أن واحدة نصران ونصرانه كندامي في جميع ندمان وندمان ويرى بعضهم أن واحدة نصرى ونصريه كمهارى لضرب من الإبل ينسب إلى مهره قبيلة عربية واحدة مهرى ومهريه وهذا اللفظ أيضا مأخوذ من ناصره كما سلف في النصرانية . ويورد المعجم أيضا شرحا لكلمة النصراني النصراني : التابع لدين المسيح عليه السلام وهو منسوب إلى النصران بمعناه للمبالغة وتأكيد المعنى , كما قالوا : احمري في احمر ويرى بعض اللغويين أن النصران ومؤنثة النصرانه لم يرد في كلام العرب وإنما هذا تقدير , ويرى بعضهما ورودهما في الكلام . والنصراني والنصران مأخوذان من ناصره بلد في الشام ينسب إليها المسيح عليه السلام . ويذكر المعجم ورود كلمة نَصْرانِياً في سورة آل عمران :- " ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما " (67) وفي مختار الصحاح(2) نصران : بوزن نجران قرية بالشام ينسب إليها ( النصارى ) ويقال اسمها ( ناصره ) و ( النصارى ) جمع ( نصران ) و ( نصرانه ) كالندامي جمع ندمان وندمانه ولم يستعمل نصران إلا بياء النسبة و ( نصره تنصيرا ) جعله ( نصرانيا ) وفي الحديث " فأبواه يهودانه أو ينصرانه " فلم ترد كلمة مسيحي أو مسيحيون أو مسيحية … ومشتقاتها في القرآن الكريم ذلك أنها في ذاتها تدل على الكفر المطلق الصريح … عبادة المسيح أو إشراكه في الألوهية . أما كلمة النصارى فقد وردت في القرآن الكريم وهو أقسام :- 1- الموحدون وحدانية مطلقة وهم على دين المسيح … المؤمنون . 2- نسوا حظا …. الفاسقون . ومنهم المشركون والكافرون وهم عبدة المسيح أي المسيحيون . 3- المجادلون مع اليهود والمختلفين معهم وضرورة اتباعهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم . والمسيحيون هم الكافرون وهم على أقسام حيث انهم يعبدون المسيح :- 1- الذين يقولون أن الله هو المسيح ابن مريم . 2- الذين يقولون أن الله ثالث ثلاثة . 3- الذين يقولون أن المسيح ابن الله . النصارى أولا : القسم الأول من النصارى …. المؤمنين. وهم الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى في الآية ( 62 ) من سورة البقرة :- " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " وفي الآية (69 ) من سورة المائدة قال تعالى :- (1) معجم ألفاظ القرآن الكريم إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة صفحات ( 532 ) العدد ( 17 ) الجزء الثاني – الناشر الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة
(2) مختار الصحاح للإمام محمد الرازي , صفحة ( 662 ) ترتيب السيد محمد فاطر – الناشر دار نهضة
مصر القاهرة .
" إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " وفي الآيات ( 82 ) إلى (86 ) من سورة المائدة قال تعالى :- " لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا أنا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون ( 82 ) وإذا سمعوا ما انزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ( 83 ) وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ( 84 ) فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ( 85 ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( 86 ) " صدق الله العظيم . هذا القسم من النصارى …. المؤمنون …. ولهم احسن الجزاء …. جزاء المحسنين والمؤمنين , وعدهم الله سبحانه وتعالى بجزاء المؤمنين بشروطه :- 1- الإيمان بالله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وان عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله وبشر ممن خلق الله . 2- الإيمان باليوم الآخر 3- العمل الصالح ولنرى معا شرح وتفسير هذه الآيات المذكورة آنفا من سورة البقرة والمائدة كما أوردها السيد محمد رشيد رضا – أثابه الله – في تفسير المنار:- ( إن الذين آمنوا ) مراد به المسلمون الذين اتبعوا محمد صلى الله عليه وسلم والذين سيتبعونه إلى يوم القيامة , وكانوا يسمون المؤمنون والذين آمنوا . وقوله ( والذين هادوا والنصارى والصابئين ) يراد به هذه الفرق من الناس التي عرفت بهذه الأسماء أو الألقاب من الذين اتبعوا الأنبياء السابقين , وأطلق على بعضهم لفظ يهود والذين هادوا , وعلى بعضهم لفظ النصارى , وعلى بعضهم لفظ الصابئين . ( ومن آمن بالله واليوم الآخر وعما صالحاً) هذا بدل مما قبله , أي من آمن منهم بالله إيمانا صحيحا وآمن باليوم الآخر كذلك وعمل عملا صالحا تصلح به نفسه وشئونه مع من يعيش معه , وما العمل الصالح بمجهول في عرف هؤلاء الأقوام , وقد بينتهم كتبهم أتم بيان . ( فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) أي أن حكم الله العادل سواء , وهو يعاملهم بسنة واحدة لا يجابي فيها فريقا ويظلم فريقا . وحكم هذه السنة أن لهم أجرهم المعلوم بوعد الله لهم على لسان رسوله , ولا خوف عليهم من عذاب الله يوم يخاف الكفار والفجار مما يستقبلهم , ولا هم يحزنون على شيء فاتهم . فالآية بيان لسنة الله تعالى في معاملة الأمم تقدمت أو تأخرت , فهو على حد قوله تعالى في سورة النساء :- " ليس بأمانيكم ولا بأماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجدون من دون الله وليا ولا نصيرا
( 123 ) ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا
( 124 ) " صدق الله العظيم . فظهر بذلك انه لا أشكال في جهل من آمن بالله واليوم الآخر … الخ على قوله ( إن الذين آمنوا ) … الخ ولا أشكال في عدم اشتراط الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن الكلام في معاملة الله تعالى لكل الفرق أو الأمم المؤمنة بنبي ووحي بخصوصها , الظانة أن فوزها في الآخرة كائن لا محالة , لأنها مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو صابئة مثلا , فالله يقول ما معناه أن الفوز لا يكون بالجنسيات الدينية وإنما يكون بإيمان صحيح له سلطان على النفس , وعمل يصلح به حال الناس . ولذلك نفى كون الأمر عند الله بحسب أماني المسلمين أو أماني أهل الكتاب . واثبت كونه بالعمل الصالح مع الإيمان الصحيح . أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : التقى ناس من المسلمين واليهود والنصارى . فقال اليهود للمسلمين : نحن خير منكم ديننا قبل دينكم وكتابنا قبل كتابكم , ونبينا قبل نبيكم ونحن على دين إبراهيم ولن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) السيد محمد رشيد رضا تفسير المنار الجزء الأول العدد ( 4 ) صفحة ( 278 ) سلسلة التراث
للجميع - الناشر الهيئة المصرية للكتاب - القاهرة
يدخل الجنة إلا من كان على ديننا , فانزل الله تعالى ( ليس بأمانيكم ) وروي نحوه عن مسروق وفتاده واخرج البخاري في التاريخ من حديث انس مرفوعا ] ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل . إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنه لهم , وقالوا : نحن نحسن الظن بالله تعالى وكذبوا , ولو احسنوا الظن لأحسنوا العمل [ نأتي الآن إلى تفسير الآيات من ] 82 – 86 [ من سورة المائدة : وعنها يقول الشيخ محمد رشيد رضا(1) : ختم الله هذا السياق في محاجه أهل الكتاب وبيان شأنهم بهذه الآيات التي بين فيها حالتهم النفسية في عداوة المؤمنين ومودتهم ودرجة قربهم منهم وبعدهم عنهم , وكذلك حالة المشركين حيث قال تعالى :- " لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا أنا نصارى " العداوة بفضاء يظهر أثرها في القول والعمل والمودة محبه تظهر أثرها في القول والعمل , خلافا للجمهور الذين فسروها بالمحبة المطلقة . وفي كلمة ( لتجدن ) تأكيدان : لام القسم في أول الكلمة , ونون التوكيد في آخرها وفي الخطاب بها وجهان أحدهما : انه للنبي صلى الله عليه وسلم وثانيهما : انه لكل من يوجه إليه الكلام . وفي ( الناس ) الذين نزل فيهم هذا التفصيل قولان أحدهم : انهم يهود الحجاز ومشركو العرب ونصارى الحبشة في عصر التنزيل . والثاني : انه عام لكل شعب وجيل , ولكن يرد على عموم الأزمنة ما سيأتي . ثم يفيض الشيخ محمد رشيد رضا بالشرح عن دعوة النصارى المجاورين للحجاز للدخول في الإسلام حتى يستنتج منها أن النصارى الذين كانوا مجاورين للحجاز كانوا في زمن البعثة اقرب مودة للمؤمنين واقرب قبولا للإسلام وان من توقف من ملوكهم عن الإسلام فما كان توقفه إلا ضنا بملكه وان النجاشي ( أصحمه ) قد أسلمت معه بطانته من رجال الدنيا والدين . وفي تفسير النسفي (2)أن وصف اليهود بشدة الشكيمة والنصارى بلين العريكة وجعل اليهود قرناء المشركين في شدة العداوة للمؤمنين . ونبه على تقدم قدمهم فيها بتقديمهم على المشركين ( ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا ) أي علماء وعبادا ( وانهم لا يستكبرون ) علل سهولة مأخذ النصارى وقرب مودتهم للمؤمنين بأن منهم قسيسين ورهبانا وان فيهم تواضعا واستكانة واليهود على اختلاف ذلك وفيه دليل على أن العلم انفع شيء وأهداه إلى الخير وان كان علم القسيسين وكذا علم الآخرة وان كان في راهب والبراءة من الكبر وان كانت في نصراني ( وإذا سمعوا ما انزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) وصفهم برقة القلوب وانهم يبكون عند استماع القرآن كما روي عن النجاشي انه قال لجعفر بن أبي طالب حين اجتمع في مجلسه المهاجرين إلى الحبشة والمشركون وهم يقرؤونه عليهم هل في كتابكم ذكر مريم قال جعفر فيه سورة تنسب إلى مريم فقرأها إلى قوله تعالى ذلك عيسى ابن مريم وقرأ سورة ( طه ) إلى قوله هل أتاك حديث موسى فبكى النجاشي وكذلك فعل قومه الذين وفدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم سبعون رجلا حين قرأ عليهم سورة ( يس ) …… وعرفوا بعض الحق فمن للتبعيض فكيف إذا عرفوا كله وقرءوا القرآن وأحاطوا بالسنة . ( يولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) أي أن هؤلاء النصارى …. آمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام ودعوا ربهم أن يكتبهم مع أمة محمد صلى الله عليه والسلام الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة ( وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ) قيل لما رجعوا إلى قومهم لاموهم فأجابوهم بذلك ( فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ). وفيه دليل على أن الإقرار داخل في الإيمان , فقد قالوا آمنا ووقر في قلوبهم بفيضان دموعهم إقرارا بالإيمان وقد كانوا من المحسنين , فليس الإيمان مجرد القول وقد قال الله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين. ونفى الإيمان عنهم مع قولهم آمنا بالله لعدم التصديق بالقلب . فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل – كما قاله عليه الصلاة والسلام – وقال أهل المعرفة الموجود منهم ثلاثة أشياء البكاء على الجفاء , والدعاء على العطاء , والرضا بالقضاء فمن ادعى المعرفة ولم يكن فيه هذه
يعطيكم عصبة. مع المحبة و الله ولي التوفيق الحكيم
ردحذف